آمنة منى ..
والقانون الدولي الإنساني المنسي
رسالة إلى العالم الحر في يوم المرأة العالمي ..
سامح عوده/ فلسطين
لم تغب المرأة الفلسطينية عن ميادين النضال والبناء يوماً ما، ولم يسجلُ عليها يوماً أنها كانت خارج إطار الحياة الطبيعية، فهي استطاعت أن تشكل نموذجاً حياً للعطاء والتضحية، فكانت ومازالت اماً رؤوماً، ربت الأجيال وعلمتهم ان على هذه الأرض الطاهرة أشياء تستحق أن نقدم الروح من أجلها، وطن مستباح وأقصى جريح يأن تحت قبضة جلاد ظالم .. !!
فالمكان لا يتسعُ لحصر عطاءاتها ونضالاتها ، ولو حاولنا ذلك، عبثاً...، ستجف الصحائف وتنضب الاقلام من أحبارها، وهذه العبارات ليست للاستهلاك العاطفي بل هي الحقيقة الواضحة كنور الشمس، فمن عطاءاتها في العمل السياسي إلى العمل العسكري المنظم الذي تجلى في عطاءات دلال المغربي وليلى خالد وأخواتهن فهن من علمن التاريخ أبجدياته وهن من علمن الصخر ان يتفتت امام الارادة الجبارة التي علمنها للأجيال التي ستولد على هذه، ولم تقف تضحياتها عند هذا الحد فقد تسابقت النساء الفلسطينيات الى العمل الاستشهادي الذي تجلت روعته في انتفاضة الأقصى فقدمت هذه العملاقة الام والمناضلة ثماني عشرة نجمة أضاءت سماء الوطن وحولت ظلامه الى نور، تسابق الوردة تلو الوردة، يصنعن ملحمة الفداء ويكتبن بمداد من نور اسم فلسطين، فزين أجسادهن بما هو أجمل من المجوهرات القلائد ..!! ليجعلن الغاصبين للوطن يبكون دماً ، ويدفعون ثمنا ً باهظاً لإجرامهم المقيت .
آمنة منى... اسم ٌ ضمن قائمة طويلة من الأسماء التي شاء القدر ان يجعلها تأن تحت قيود السجن الذي أدمى معصميها، ففي شهر أكتوبر من العام 2003 أدانت المحكمة الصهيونية العسكرية في معسكر ' عوفر ' الفتاه الفلسطينية آمنة منى باختطاف الصهيوني ' أوفير رحوم ' وقتله ، وبتاريخ 6 – 11- 2003 م حكم عليها بالسجن المؤبد ، لتضاف الى قائمة طويله من الاسيرات اللواتي ينكل ُ بهن يوماً بعد يوم، وهناك خلف أبواب ٍ موصدة ٍ تخضع ' منى ' وأخواتها لظروف اعتقالية ظالمة، عزل انفرادي، واهمال صحي، وتعذيب نفسي وجسدي على مرآى ومسمع من العالم الذي ينادي برفع الظلم عن المرأة بوجه خاص، واعطى الانسان وكرمه بالحق في الحياة والسلامة الشخصية، استغربُ تلك المفارقات وهذا الإجحاف بحق الإنسان الفلسطيني، الذي يمارسُ عليه الترهيب والتعذيب ولا أحد يحركُ ساكناً، حتى لو بقرار ادانه أو شجب لما يحدث من انتهاكٍ لآدمية المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين ..
منذ تاريخ اعتقال آمنة وهي تخضع لظروف اعتقالية سيئة تخر تحتها الجبال، ففي كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام بخبر عن الأسيرة 'منى ' ينذر بكارثة ويسلط الضوء على معاناة المعتقلات الأخريات، صرخات آمنه لم تتوقف ولم تمل عائلتها مناشدة كل المؤسسات الدولية والإنسانية العمل على تحسين أوضاع ابنتهم التي تذبح يوماً بعد يوم تحت قيد ظالم، فلم يكن مطلبها ولا مطلب عائلتها غريباً ولا خارقاً للممكن ، لقد طالبوا ومعهم المخلصون من أبناء شعبنا بالتوقف عن عزلها انفرادياً ، في زنزانة وحيدة لا يدخلها نور الشمس ، هي والحشرات التي تملأ غرفتها وجدران باردة نخرت عظامها ..!! ان كل تلك المحاولات والنداءات لم تجدِ نفعاً ولم تحرك ساكناً في ضمائر الصفوة المدافعة عن حقوق الإنسان، فكان لا بد من سلاح ٍ أقوى ربما يجد مكاناً في ضمير إنساني أصم .. !! فلجأت إلى حرب الأمعاء الخاوية معلنةً التمرد على القيد حيث خاضت إضراباً مفتوحاً عن الطعام علَّ ذلك يساعدها في الضغط على من يغلقون الابواب في وجه الحق والحقيقة، وما زالت آمنة الشامخة كجبال الوطن، المتجذرة في الأرض كزيتونة تفعلُ ما يمكن فعله من أساليب النضال داخل الزنزانة محاولةً لفت الأنظار لمعاناتها، ومعاناة إخوتها وأخواتها الذين يتجرعون الموت في كل لحظة ..
اليوم، وفي الثامن من آذار يوم المرأة العالمي تعيش ' آمنة ' في ظروف اعتقال ظالمة قاسية، ومحاولات قهر وإذلال وانتهاك لآدميتها لإجبارها على الندم على ما فعلته سابقا من عمل بطولي دفاعا عن شرفها وشرف الأمة جمعاء، الأمر الذي خلدها في ضمائر الاحرار في العالم ، لكن تلك الأساليب المهينة لن تحرك سكاناً فيها فهي التي صمدت وصبرت على القهر ، فكانت نموذجاً أصيلاً للمرأة التي تستحق أن تكرم في مثل هذا اليوم ، كل عام وأنتِ بخير آمنة انتِ وباقي أخواتنا الفدائيات القابعات خلف سجون الظلم والظلام، فلا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، هذا الوعد الاكيد الذي آمنا به وهو القبلة ُ التي نتوجه اليها، مؤمنين كل الإيمان بعدالة قضيتنا، وسمو أهدافنا ..
في الثامن من آذار .. أدعو جميع المنادين بالقانون الإنساني في العالم أن يخرجوا هذا القانون من ثلاجة الموتى قبل أن تحتضر قيمنا الانسانيه وتموت، وبالتالي نصبح كالضباع الجائعة ننهش لحم إنسانيتنا ، في هذا اليوم يجب أن يرفع الظلم عن شعب يرزح تحت الاحتلال لأكثر من نصف قرن، تنتهك حقوقه وتغتصب أرضه دون أن يحرك أحد ساكناً، أن حالة النسيان التي تصيب الذاكرةَ الانسانيه الآن لا بد وان تعود لتصرخَ في وجه الظلم والظالمين..
وأخيراً في يوم المرأة العالمي أتمنى الإفراج العاجل لأسيراتنا وآسرنا من سجون الاحتلال ، وتتحقق آمال شعبنا بإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه ومقدساته ..