كفاية طوارئ، كفى صمتا
افتتاحية النداء:
هيئة التحرير
15-5-2010م
قبل أيام، أيدت الغالبية الحكومية الكاسحة في مجلس الشعب المصري قرارا رئاسيا يقضي بمدّ حال الطوارئ سنتين أخريين، على أن يقتصر تطبيقها على حالات مواجهة اخطار الارهاب وتمويله وجلب وتصدير المواد المخدرة والاتجار فيها". وقد واجه هذا القرار حركة احتجاج قوية، أعلنت معارضتها لذلك التمديد في مجلس الشعب وفي الشارع، واعتبرت أن ادعاءات الحكومة في تحديد مدة تطبيق القانون بسنتين وحصر مجاله بالإرهاب والمخدرات ليست أكثر من "مجرد عملية تجميل لا تغير شيئا ولا تخفف ثقل قيود الطوارئ على الحريات العامة وتسميمها للبيئة السياسية في البلاد"
وعلى الرغم من وصف ملاحظين حقوقيين لموقف الحكومة المصرية بأنه "محاولة مكشوفة لذر الرماد في العيون، والالتفاف على اجماع كل القوى الحية في المجتمع حول مطلب الالغاء الفوري للطوارئ".لكنهم أقروا بأن اهتمام المسؤولين المصريين بتبرير تجديد العمل بالطوارئ هذه المرة "مؤشر لشعورهم بتنامي الضغوط" عليهم.
حدث هذا في مصر، ونقلت الضجة المرافقة له القنوات الفضائية، فشاهدنا وشاهد العالم صور الحراك المجتمعي والصراع السياسي المصري حول ذلك. إذ شارك في حركة الاحتجاج تلك 101نائبا، وصحف واقلام عديدة ، إلى جانب اعتصامات جماهيرية علنية رفعت لافتات التنديد بقرارتمديد حالة الطوارئ، وطالبت بالتغيير الديمقراطي والإصلاح على كافة المستويات. وقد اشتبك رجال الشرطة مع المعتصمين ومنعوهم من تجاوز الحواجز حول مجلس الشعب.لكن لم يجر اعتقال أحد منهم، ولم يجر اتهامهم بإضعاف الشعور القومي أو غيرها من التهم المماثلة على جري العادة في أكثر من بلد عربي!
بالمقابل، هناك صمت مطبق حول حالة الطوارئ المطبقة في سوريا، وهي مستمرة في بلادنا منذ سبعة وأربعين عاما بدون انقطاع ولا تحديد، ولم يجرعليها أوعلى قانونها أي تعديل.
بالطبع ليس جديدا القول بأنه ليس هناك أي نائب مؤهل لطرح رأي بخصوصها، ولاصحافة يمكن أن تناقشها. أما الاعتصام في ذكرى إعلانها أو بشأنها فقد أصبح شديد الاستبعاد، بعد أن قمعت آخر محاولاته المحدودة قبل سنوات، وضربت ميليشيات الحزب القائد المعتصمين بعصي الأعلام الوطنية وتحت إشراف رجال الشرطة، كما اعتقل بعض ناشطي اعتصام آخر وحوكموا بالتهم الشائعة.
هي إذن: طوارئ بالمفرق وطوارئ بالجملة، لكنها طوارئ تجثم على صدور المواطنين في النهاية. ولم يعد مهما السؤال متى وكيف بشأنها، بل نظن أن المهم هو التساؤل لماذا تستمر؟
هنا، قد يكون مفيدا الاستشهاد بالمقطع التالي من مقالة للكاتب المصري علاء الأسواني ( السفير11/5/2010):" لا زال بعض الناس الطيبين يتصورون أنه لو اجتهد كل مصري في عمله فإن مصر ستتقدم بدون الحاجة الى تغيير ديموقراطي. هذا التصور حسن النية لكنه مفرط في السذاجة لأنه يفترض أن الاستبداد يقتصر تأثيره على البرلمان والحكومة. والحق أن الاستبداد، مثل مرض السرطان، يبدأ في السلطة السياسية ثم ينتشر بسرعة في كل أجهزة الدولة فيصيبها بالعطب والعجز.. الاستبداد يؤدي حتما الى فساد الدولة وهذا الفساد سرعان ما يؤدي الى نشوء عصابات جهنمية داخل النظام، تكون ثروات طائلة من الفساد وهي مستعدة للقتال بضراوة وتحطيم أي شخص أو فكرة أو مشروع للحفاظ على مكاسبها)
يتذرع الاستبداد هناك، بـ"مكافحة الإرهاب وجرائم المخدرات" لإدامة حالة الطوارئ؛ ويتذرع الاستبداد هنا "بالمخاطر الخارجية" لإدامة الحالة نفسها. وفي الحالتين، يبقى الهدف الوحيد لفرض قوانين الاستثناء على حياة المواطنين، هو حماية الاستبداد والفساد واحتكار السلطة.
15/5/2010
هيئة التحرير