عيدُ البشارة وتَعَارُض القرارات الحكومية

حسن قاطرجي

عاش غير المسلمين في دولة الإسلام أكثر من 13 قرناً، وقد حَفظت لهم حقوقهم، وأَدَّوا واجباتهم، ومارسوا حرياتهم التي كَفَلها القانون الإسلامي؛ ومنها عَرض الإسلام عليهم فإن آمنوا فبها ونِعمتْ، وإلا تُركوا وما يَدينون، وحسابهم على الله. وعاملهم المسلمون -دولةً وأفراداً- بالعدل كما أوجب القرآن، ورغّبهم في بِرّهم وحُسن معايشتهم ما لم يكونوا محاربين أو مُوالين لأعداء المسلمين.

ورغم أن النبوة خُتمت والوحي انقطع فقد استيقظ المسلمون في لبنان بعد 1418 سنة من نزول قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ فوجدوا أن أعيادهم صارت ثلاثة بعد أن كانت عيدين!

فقد سعى فريق من "النشطاء" منذ ثلاث سنوات لاستصدار قرار من مجلس الوزراء اللبناني (يَسْتَدْرك على القرآن الكريم! ويُعَلِّم الرسولَ أُصول التعايش ويُوجب "الانصهار الوطني") باعتبار عيد البشارة في 25 آذار عيداً وطنياً للمسلمين والمسيحيين في لبنان. وحَصل لهم ذلك في شباط 2010م.

ورغم أن الكنيسة تسمِّيه رأس الأعياد لأهميته الدينية وتَعتبره "أول الأعياد" في المسيحية، كما جاء ذلك مراراً في خطابات وكتابات ذلك الفريق في الصحف ووسائل الإعلام والإنترنت، فقد تخبطت أقوالهم وحاولوا التلبيس على الناس بأنه مجرد عيد "وطني" عندما واجه بعضُ المسلمين هذا المشروع الخطير. فتوهّم أصحاب الثقافة "العلمانية" أنه لا شأن للدِّين به.

وعلى كل حال فمنذ ثلاث سنوات يَحْضر هذا العيد في الكنائس "ممثلون" عن المسلمين وأحياناً مشايخ معمَّمون القداديس و"الصلوات المشتركة"! ويجلسون خاشعين أمام نصوص تتعارض مع التوحيد وأُسس الإسلام الواضحة؛ مثل قولهم: (أَرسَل الله ملاكه إلى العذراء حاملاً إليها بشرى تَجَسُّد ابنه الوحيد في أحشائها النقية)! ويستمعون إلى تراتيل الجوقات النسائية على أنغام البيانو أو الأورغ! نَعم أُمِرْنا أن ندَعَهم وما يدينون وهذا عيدهم! أما أن يحضر هذه التراتيلِ الشِّرْكيةِ مسلم فإنه يصير مثلهم كما نص على ذلك القرآن الكريم: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾.

ويؤكّد عدم جواز إضافة مثل هذا العيد النصراني إلى رُزنامة المسلمين وأنه تلاعب بالدين: إلغاءُ الحكومة النبوية بالمدينة المنورة كلَّ الأعيادِ الوطنيةِ التي كانت في الجاهلية، وحصْرَها للمسلمين في البديل الإسلامي؛ قَالَ أَنَس بْنِ مَالِكٍ: كَانَ لأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا. فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ r الْمَدِينَةَ قَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟" قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: "كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا؛ 1.يَوْمَ الْفِطْرِ 2.وَيَوْمَ الأَضْحَى". والرسول r نفسه شارك أبناء دولته من اليهود في مناسبات اجتماعية وزار مريضهم وعاملهم ولكنه لم يُشاركهم أعيادهم!

وقد نزلتْ الآيات تمنع المؤمنين من مشاركة غيرهم في خصوصيات دينهم ومنها: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ *وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾. كما نزلتْ آية تمنع مشاركتهم في أعيادهم خصوصاً: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ وفسَّر عدد من أهل العلم (الزُّور) بأعياد غير المسلمين. وقال النَّبِيُّ r لسيدنا أبي بكر: "يا أبا بكر، إنّ لكل قوم عيداً، وهذا عيدُنا". وقد حكم على مثل هذه البدع بأن تُرد على أصحابها: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ".

فأين المؤتمنون على دين الله وعقائد المسلمين ومؤسساتهم؟ وماذا سيقولون ونقول لربنا؟!

هذه باختصار قصة تَعارض قرارات الحكومة النبوية، والحكومات العلمانية بخصوص عيد البشارة؟!! وهذا دليل عدم جواز مشاركة المسلمين فيه. وأما توثيق الفكرة والتعريف بالفريق الذي يفتخر بهذا الإنجاز كيف انطلقت، مع مزيد الأدلة والمناقشة وتخريج الأحاديث، فهو متاح فيما يأتي لمن يرغب في الاستزادة في مقال: عيد البشارة وسلسلة التنازلات.

جمعية الاتحاد الإسلامي

لجنة الدعوة والتعليم الشرعي