مباهج اللغة والأدب كما يراها الدكتور عبد الكريم اليافي
مباهج اللغة والأدب كما يراها
الدكتور عبد الكريم اليافي
آصف ابراهيم
يشكك الكثير من الأدعياء في صلاحية اللغة العربية وقوتها وقدرتها على مواكبة العصر رغم استيعابها في الماضي لكل علوم الأرض ،وحوار العلماء وأخيلة الأدباء وفلسفة الحكماء وظرف الظرفاء وتفاوت الآراء.. ومختلف الثقافات وشتى الاتجاهات.
وقد فنّد الدكتور عبد الكريم اليافي الكثير من هذه الاتهامات في كتابه « مباهج اللغة والأدب» الصادر حديثاً عن وزارة الثقافة، مؤكداً على مزايا اللغة العربية في مواكبة العلوم والبحوث الواسعة والآداب ونجوى العشاق ولوعة الفراق حيث يشتمل الكتاب على مجموعة دراسات وبحوث متنوعة تغوص في عمق اللغة والأدب العربيين وتستخرج كنوزها الدفينة. يبدأ الكتاب ببحث عن مكانة اللغة العربية ومشكلات الترجمة والتعريب والتأليف الذاتية .يدرس مشكلات التعريب والترجمة وحلها الكامن ،برأي الباحث، في اتقان اللغة الفصحى السليمة والتدريس بها في جميع المراحل،والتخلي كلياً عن العامية التي لا إملاء لها ولا قواعد والابتعاد عن تيسير اللغة العربية وتسهيل أصولها من نحو وصرف لأنه يؤدي الى التردي والتراخي والتفاهة والركاكة ، ويؤثر المؤلف الصعوبة والعقبات لأنها تشحذ العزائم وتشد الانتباه وتتحدى الإرادة المتوثبة، وباعتماد التراث العربي الأصيل بميادينه المختلفة وعلومه الزاخرة المتفاوتة.
ويستفيض الدكتور اليافي بتناول مشاريع تعريب العرب للعلوم في الحضارة العربية الإسلامية ودور تعريب التعليم العالي في القضاء على الاستلاب الثقافي وعلى الشعور بالتبعية والعجز عن الابداع، وفي تطوير اللغة العربية وتجديدها وتحقيق قدرتها الكاملة على استيعاب العلوم الحديثة من خلال إثرائها بالمصطلحات الحديثة وبث حركة الحياة الجديدة في أوصالها.
ودور تعريب التعليم العالي أيضاً في نشر اللغة العربية والعلم العربي والثقافة خارج إطار الوطن العربي ،ولاسيما في البلاد الإسلامية ،وفي توليد نظرة حضارية عربية واحدة أصيلة وحديثة ودوره، أيضاً في رفع الدراسات العليا وفي اعداد الهيئة التدريسية الجامعية إعدادا ملائماً لحاجات الوطن العربي وفي الحد من عدد البعثات العلمية الى الخارج ومن هجرة الكفايات العلمية.
ومن جهة أخرى يحذر الدكتور اليافي من مخاطر الغزو الثقافي الأجنبي الذي يمكن أن يتسلل خلال التعريب، فالمهم بالنسبة له نقل العلوم الأجنبية الحديثة الى اللغة العربية، وتعليمها والتأليف فيها بلغة عربية مبينة سليمة حتى يتهيأ البحث والتفكير والكتابة في المستقبل القريب بهذه اللغة التي كانت مضيئة الفكر العالمي أحقاباً طوالاً في الغابر.
ويفرد الدكتور اليافي حيزاً واسعاً للأبجدية العربية وأسرارها وحساب الجمل والتصحيف، حيث كانت الأبجدية العربية في بداياتها تتألف من اثنتين وعشرين حرفاً ، ثم ميز في الاصوات ستة حروف اخرى ضمت اليها ، وحروف اللغة العربية تحصرها ثمانية الفاظ هي الابجدية العربية وهي :« ابجد ، هوز ، حطي، كلمن ، سعفص، قرشت، تخذ، ضظغ.»ولحروف التهجي في اللغة العربية اعتبارات شتى واقسام متعددة بحسب ميادين الاستعمال المختلفة ، والوان الفلسفات المتنوعة ، واتجاهات المواقف المتفاوتة ، وهذا التفاوت والتنوع والاختلاف يهب للحروف العربية طاقات كثيرة في الدلالات ، واحتمالات الاشارات ، وامكانات التعبير الواضح ، او التعبير الغامض ، او مدى التوافق والتغاير ، لا وجود لأمثالها في لغات العالم .
وبالنسبة لحساب الجمل : فهو حساب الحروف الهجائية المجموعة في الابجدية اي ابجد وما يليها ،وهو يبتدىء من الهمزة الى الطاء والآحاد ( والآحاد من الواحد الى التسعة ) ومن الباء الى الصاد بالعشرات ( وهي من العشرة الى التسعين ) ، ومن القاف الى الغين المعجمة اي المنقوطة بالمئات (وهي من المئة الى الالف ) ويقال لحساب الجمل ايضاً حساب الابجدية .
ويتناول الدكتور اليافي مشكلات الكتاب التراثي في سورية تبعاً لمراحل الكتاب الثلاث : - الكتاب التراثي المخطوط والمحفوظ في بعض المكتبات والخزائن الخاصة -الكتاب التراثي قيد التحقيق والنشر - الكتاب الذاتي المطبوع المنشور . ومشكلة الكتاب التراثي ، كما يراها المؤلف ،تنحصر في لزوم فهرسة المخطوطات وحمايتها من مغبات الاهمال والضياع والتلف والمتاجرة ، وحاجته الى اكتمال الفهرسة، والى التجميع ما امكن والصيانة والتعهد ، والى التصوير خشية التلف والضياع.
ويتطرق الدكتور اليافي الى مفاتن نجد الشعرية التي جاء ذكرها في الكثير من الاشعار القديمة . وهي هضبة مترامية الاطراف في الجزيرة العربية ، تقع بين صحراء النفوذ في الشمال والربع الخالي في الجنوب ، وبين الحجاز غرباً والاحساء شرقاً ، ينخفض ارتفاعها بالتدريج من الغرب الى الشرق ، رملية في بعض الجهات بركانية في جهات اخرى تضم بين ارجائها واحات خضراء واودية تسيل اذا أمطرت السماء ، تنبت فيها الزروع والازاهير والرياحين الى جانب ما قد علا وورف من مختلف الاشجار ، ومتباين الجنبات مثمرة وغير مثمرة .
هي بلد المهلهل بن ربيعة وأوس بن حجر ، وزهير بن ابي سلمى ، وامرىء القيس، وطرفة بن العبد ، ولبيد بن ربيعة ،والحارث بن حلزة، وعبيد بن الابرص ، وعنترة بن شداد ،والمتلمس ، واعشى باهله، وبشر بن ابي خازم ، وعروة بن الورد ، ودريد بن الصمة ، والطرماح ، وعامر بن الطفيل ، والعباس بن مرداس ، وعلقمة بن عبدة، وتميم بن مقبل ، وزيد الخيل، والخنساء ، والحطيئة ، والفرزدق وحاتم الطائي وغيرهم .
وتقرأ عن الامثال الشعبية ومكانتها وحقيقتها البلاغية ، ومنشئها وصلتها بالحياة حيث يعدها من الادب الشعبي الذي يشتمل على السير الشعبية والامثال او الاقوال الموجزة التي تتضمن حكماً بليغة أو تجارب انسانية مفيدة ، او تعطي قواعد للتصرف والسلوك.
وقد تكون الاقوال متضاربة ومتناقضة ، وذلك التناقض حروف الحياة وتضاربها وتفاوت تجارب الانسان نجاحاً او اخفاقاً واختلاف نزواته النفسية وتباين احواله الاجتماعية ، ولكن كل مثل من الامثال ، او حكمة من الحكم يصلح لمناسبة معيشة ولحالة عارضة خاصة تشبه الحال الاولى التي قيل فيها المثل وتطابقها شيئاً من المطابقة .
والامثال شائعة عند جميع الامم قديمها وحديثها . والعربية القديمة منها كانت في الاصل من الادب الشعبي ، ولكنها التقطت من افواه العرب وسجلت في الكتب الادبية واللغوية فيما سجل من الالفاظ والاشعار والاقوال والحكم والخطب والروايات واشباهها ، فأصبحت الآن من الادب « الاتباعي » ومن الفنون الادبية التي تدرس في المدارس ، وفي اقسام اللغة والادب العربيين من الجامعات كما تتخذ موضوعاً من موضوعات الدراسات النفسية والاجتماعية وغيرها . ويتضمن الكتاب على دراسة لكتاب المرتجل في شرح القلادة السمطية في توشيح الدريدية ، حيث يعرف بمؤلف كتاب « المرتجل » الحسن بن محمد الصفاني ، وبين موضوع الكتاب ويعرف بالمقصورة الدريدية وبمؤلفها ابي بكر بن دريد . ويعرف التخميس والتشطير في العروض وهو ان يأخذ الشاعر بيتاً لسواه فينظم ثلاثة اشطر تلائم في الوزن والقافية صدر ذلك البيت ، جاعلاً اياها قبلة ، وسمي ذلك تخميساً لأن الشطور تغدو خمسة ، ويقال له التسميط .
ولكن التخميس شكل من اشكال التسميط . وهو بناء القصيدة عامة على مقاطع او ادوار كل مقطع اربعة اشطر او اكثر متفقة في القافية ما عدا الشطر الاخير فإنه يستقل بقافيته المختلفة مع اتحاده فيها في الاشطر الاخيرة الاخرى في جميع المقاطع والتسميط والتشطير في البلاغة يعتبران من المحسنات اللفظية الايقاعية في باب البديع وغيرها .•