مواقع النشر
من : فواز دحروج
احتلت مواقع النشر الالكترونية، عربياً، في الآونة الأخيرة، مكاناً متميزاً لدى المهتمين من مختلف الأوساط، سواء الأكاديمية منها أو الأدبية. هذا اذا لم ننس المواقع ذات الطبيعة السياسية وسواها من بقية العلوم. وتحول النشر الالكتروني الى ظاهرة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى يرتبط بالأسس والتأثير والسياق. فمن جهة الأسس كان لمواقع النشر، هذه، ما لا يمكن تجاهله من ركائـز تقنية ترتبط بمعرفة هذا النوع من الموصِّلات العالية التقنية والدقة، وهو ما عرف في عواصم عربية كمدينة دبي وبيروت في تصدير تلك الخبرات بعد تأسيسها. أما التأثير فلا يُختلف على شأنه في أي حال.
أما السياق فهو طور التطور الذي يسم التحولات في نمط الانتاج الصناعي.
النشر الالكتروني، وتحديداً منه الأدبي الشعري، خصوصاً، والثقافي، عموماً، يشكل الآن شبه رديف للنشر الصحافي التقليدي. والمواقع التي تعنى بنشر الانتاج الادبي صارت أكثر من أن تعد. والطريف في الأمر انها على رغم كثرتها فهي تتمتع بخصوصية الناشر، تماماً كحال الصحافة المطبوعة. فاختيارات الناشر لموقعه من المواد المنشورة في الصحف المطبوعة لا يعبر وحسب عن مستوى الذائقة ومستوى المعيار النقدي بل تدخل فيه ملابسات أو "حرتقات" النشر المطبوع، لسبب بسيط جداً وهو أن القائم على موقع الكتروني أدبي عادة ما يكون من أوساط الأدباء والكتاب. ولهذا يحمل الموقع الالكتروني ما تحمله المطبوعة في بنيتها التحتية.
وما ينبغي الاعتراف به أن النشر الالكتروني قدم الكثير من "الخدمات" للصحافة المطبوعة، فهو سهّل نشر الاعمال الأدبية ورواجها من أقصى الأرض الى أقصاها.
واليوم الذي تصدر فيه صحيفة مطبوعة في بلد ما يستطيع المتصفح في أي مكان في العالم قراءة ما احتوته هذه المطبوعة وأحياناً قبل أن توزع في البلد نفسه. كذلك باتت المواقع الالكترونية بمثابة "معيار" بمعنى أو بآخر، فعندما يختار موقع ما مادة من دورية ويعيد نشرها، فهذا يمثل شيئاً من الاحتفاء بالمادة، بل بالقائمين الأصليين على نشرها في المطبوعة. ولهذا تحولت المواقع، تلك، الى مجال حيوي لاختبار النص الأدبي، من تذوق وفحص واحتفاء.
لكن السؤال الذي يلح على المتتبع هو كيفية بقاء النشر الالكتروني شبيهاً بفن التشخيص التمثيلي، الذي وصف كمهنة تابعة، كونه يتبع النص ولا يسبقه. وفن التمثيل الذي وصف بتبعيته للنص لم يخرج من التحاقه هذا، بمجرد الاتجاه الى الايماء والايحاء، بل بقي ملتحقاً بالنص راجعاً اليه. والنشر الالكتروني، في الأعم الأغلب من المواقع، جزء من الالتحاق والتبعية بالنشر المطبوع. فهو - أي النشر الالكتروني - لم يؤسس للنشر "الطازج" المنعكس من خلفية كاتب وناشر، بل عكس النشر الالكتروني آلية منشور وناشر. وهي آلية في كثير من الأحيان تكاد تلغي أثر النص قبل الغائها أثر المهنة والبنية التحتية لعالم النشر. مع أن عدداً من المواقع يسعى الى نشر المادة الجديدة غير المنشورة، لكن سعيها هذا عادة ما يصطدم بالاتجاه العام لدى الكتاب لنشر أعمالهم في دورية مطبوعة قبل أي شيء، لأن الدورية المطبوعة تحمل ذاكرة الاختبار الأدبي وعالم الثقافة ولا يمكن بديلاً لا يحمل هذه الذاكرة أن يحل مكانها. وهنا المشكل الأساس لدى أي ناشر الكتروني يعرف "جاذبية" المطبوع والتاريخ الذي يختفي في طياته.
تتفاوت المواقع الالكترونية الأدبية بدءاً من تصميم الموقع ومروراً بالناشر وانتهاء بالمواد المنشورة. ومرد هذا التفاوت هو نفسه الكائن في تفاوت المطبوع، من مستوى تقني ومستوى ثقافي وسواهما. وتبقى المعايير العاملة في مجال المطبوع هي هي في النشر الالكتروني لجهة تقويم العمل الأدبي، إذ لا تتغير بتغير المكان والطريقة. ومن المواقع الأدبية الشخصية الى المواقع الشاملة، الى المواقع البيبليوغرافية يتواصل النشر الأدبي الألكتروني. من المواقع البيبلوغرافية نجد موقع الكاتبات الخليجياتangelfire الذي يضم حوالي 130 كاتبة خليجية، وهو من المواقع المهمة لأنه يلقي الضوء على هذا العدد الكبير من كاتبات الخليج فنجد 32 كاتبة من السعودية ومن الامارات 36 ومن قطر 14 ومن الكويت 24. ويعرض الموقع تعريفاً بالكاتبات، وينشر لبعضهن جزءاً غير قليل من الأعمال الأدبية، كما ان الموقع في حال من التحديث المستمر ليشمل النشر كل الاسماء التي عرضها. قيمة موقع كهذا لا تتجسد فقط في العمل الأدبي وتسليط الضوء عليه، فهو يقدم للباحث والمهتم، على السواء، مادة غنية للاطلاع والدراسة، كما أنه يذكّر القارئ بضرورة إعادة تقويم الأدب النسائي الخليجي وخصوصاً لجهة الحجم المبشر بوجود نوع من الحراك الثقافي المتفاعل.
موقع بيبليوغرافي آخر عن القصة المغربية القصيرةchez يقدم مختارات قصصية وسيرة مكثفة للكاتب وثبتاً بالكتاب وأسماء كتبهم من عام 1947 الى العام 1999 وكذلك نشر بعض القصص القصيرة المغربية وأخرى عربية تحت عنوان "أفضل القصص". كما يتابع موضوع القصة القصيرة فينشر دراسات عنها وبحوثاً تتعلق بهذا الفن. يقدم هذا الموقع الى الدارس والمهتم مادة غنية بالوثيقة أولاً وبالمنهج ثانياً. وعن الأدب المغربي نجد موقعاً شعرياً هو بيت الشعر في المغربalbayt.org.mq وقد أسسه الناقد والشاعر محمد بنيس والشاعر حسن نجمي. ويضم هذا الموقع إضافة الى الشعراء المغاربة شعراء عرباً وشعراء غربيين.
نتابع المواقع الشعرية التي لا تكون بالضرورة بيبليوغرافية، بل تهتم بنشر الشعر أو السير الذاتية لبعض الشعراء مثل موقع kutob وموقع عن بعض الشعراء الفلسطينيينpalpoetry.gor.ps. ، من المواقع الشاملة التي تجمع بين البيبليوغرافي والأدبي والتراثي نجد موقعاً غنياً بهذه المواد كموقع الخيمةkhayma ، فهو ينشر ثبتاً بأسماء مواقع أدبية أخرى، أولاً، ويعيد نشر دواوين شعرية لشعراء عرب من عصور مختلفة كديوان المتنبي. ومن الشعراء المعاصرين الشاعر الأمير خالد الفيصل وعبدالله الفيصل، ومن أدباء لبنان جبران خليل جبران، كما ينشر دواوين شعراء عرب من الخليج كالشاعر غازي القصيبي. هذا من المواقع الغنية للدراسة، خصوصاً لجهة الدواوين الشعرية الكاملة.
موقعhoorpage من المواقع الغنية في سياق نشر الدواوين الشعرية المعاصرة والتعريف بالشعراء، إذ يعيد نشر أعمال للبياتي والشابي والسياب وأمل دنقل وسميح القاسم وسواهم. كذلك فهو يضم لائحة بأسماء مواقع أدبية أخرى ويحدد مواقع للشعر العربي والمعلقات وينشر مختارات شعرية وثبتاً بشعراء من السعودية واليمن. وموقع الوراق alwaraq من المواقع الشاملة التي تعنى بإعادة نشر الكتب الأدبية العربية القديمة، ما يتعلق منها باللغة والتاريخ والفلسفة وسواها من كتب التراث، وتمكن الباحث من الاطلاع السريع والسهل على مواد البحث، خصوصاً أن كثيراً من هذه الكتب ما زالت مطلباً لدى دارسي الأدب والنقد والتراث.
أسرة الأدباء والكتاب البحرينيين bahrain-wraiters في هذا الموقع تنشر تعريفاً باصداراتها والكتَّاب الذين نشرت لهم كما تنشر مقالات من الصحافة المطبوعة وما يتعلق بالنشاطات الأدبية المتنوعة من مجلات ودوريات. وكذلك موقع للمسرح العراقي "مسرحيو"masrah.150m يقدم عرضاً عن المسرح العراقي وينشر بعضاً منها. وموقعathagafy يعرض لمواقع شعرية مهمة.
ومن المواقع التي يديرها شعراء وتهتم تحديداً بالعمل الشعري ونقده نجد موقع جهات jehat الذي يحرره الشاعر قاسم حداد وفيه يعيد نشر مقالات نقدية صدرت في الصحافة المطبوعة وكذلك نشر بعض المواد الجديدة تحت عنوان "ينشر للمرة الأولى" وكذلك محاورة للانترنت بصفته "نصاً" كما يرد في عناوين الموقع، إضافة الى نشر قصائد وتعريفات بالشعراء وعناوينهم وأعمالهم. ومن المواقع المهمة في متابعة الحركة الشعرية العربية المعاصرة موقع يعيد نشر الشهادات الشعرية العربية المعاصرة التي رافقت مرحلة عصر الاستقلال، هذه الشهادات توفر مادة غنية للباحث لمعرفة مجمل التحولات التي طرأت على نظرية الشعر العربي مع نهاية تأثير الوافد الرومنطيقي مع الحرب العالمية الثانية والاتجاة الى اللاشعوري والذاتي كما نجد في عالم الياس أبي شبكة، كذلك يضم هذا الموقع ثبتاً بأسماء مواقع شعرية أخرى.
موقع كيكاkikah الذي يشرف عليه الشاعر صمويل شمعون من المواقع المتابعة للحركة الشعرية العربية، خصوصاً، والحركة الثقافية، عموماً، وهو يعمل على تسليط الضوء على ما نشر في الصحافة العربية من مقالات تتعلق بالشعر والأدب عموماً. وكذلك الموقع الذي يحرره الشاعر اليمني أحمد السلاميjeeran يركز على الشعر اليمني في الخصوص ويلقي ضوءاً على الحركة الشعرية العربية.
مع أن ما أشرنا اليه ليس الا غيضاً من فيض المواقع المعنية بالشعر والأدب، الا أن السؤال يبقى حول مدى الفاعلية التي تطرحها الصحافة الالكترونية. فإلى أي حد استطاعت تجاوز المطبوع؟ والجواب أن غالبية المواقع بقيت في إطار من الالتحاق بالمطبوع والارتهان له على خلفية التراكم الذي تمثله الدوريات في تاريخ من الاختبار والفحص. ومن الأسباب الأخرى لهذا الالتحاق عدم اكتمال شبكة الاتصالات في جميع الدول العربية، فحتى لو وجدت شبكة الانترنت في بلد عربي ما، نجد أن المستخدِم لا يمتلك خصائص تقنية معقولة للمتابعة اليومية كسرعة الانترنت وغيرها من اللوازم. إلا ان السبب الأساس هو في أن الحراك الثقافي يتمثل في المطبوع، أولاً، ولا يمكن استبدال هذه الآلية في سهولة ويسر، وكذلك فإن غالبية الكفايات الصحافية تعمل في المطبوع ما يمنع النشر الالكتروني من التفوق والسبق، ويجعله قائماً، في الأساس على إعادة النشر، لا على النشر المباشر احياناً كثيرة.
النشر الالكتروني يمثل وساطة بين المنشور والقارئ، أي أن البعد التقني التوصيلي هو الغالب، وهذا له قيمته الكبيرة في كل الأحوال. لكن السؤال سيظل مطروحاً: الى متى تبقى المواقع الالكترونية ملتحقة بالمطبوع؟ وهل سيأتي الوقت الذي تصبح فيه "المواد الالكترونية" هي المادة الأصلية، والمطبوعة هي الفرعية؟ وما يجب التشديد عليه أن القائمين على مواقع النشر الالكتروني يجب أن يعززوا من تواصلهم ومتابعتهم للحركة الأدبية من خلال زيادة التفاعل بين المادة المختارة - أو الجديدة - والقارئ، أو الباحث، الذي سيكون، للمرة الأولى، الكترونياً صرفاً. وفي انتظار نتيجة الصراع بين النشر المسبق والنشر المباشر تبقى الصحافة الالكترونية في إطار من الاستفهام والفحص ومعرفة الجدوى.