المصالحة الفلسطينية والعدالة الانتقالية

مع كثرة الحديث عن ضرورة المصالحة الفلسطينية التي باتت حلم كل فلسطيني وشعار كل سياسي ومطلب كل فصيل ونداء كل عربي من الجيد بمكان أن نكون صريحين مع أنفسنا حتى نكون قادرين على تحقيق الحلم الذي يبعد يوما بعد يوم من التحقق.

كنت استمع لحديث القيادات الفلسطينية بعد أزمة انعقاد المجلس التشريعي والتي طالب خلالها الجميع بضرورة تأجيل انعقاد المجلس وضرورة انعقاد الإطار القيادي الموحد والبدء بالترتيب لانتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني والرئاسة وجميع المؤسسات للوصول إلى مرحلة إنهاء الانقسام.

بتقديري الخاص أن هناك مرحلة مهمة يتم تجاوزها أثناء الحديث عن المصالحة وهي (المحاسبة) محاسبة من أجرم بحق الإنسان الفلسطيني، هناك دماء سفكت وهناك أشخاص قتلوا، وهناك موظفون فصلوا وهناك مؤسسات اغتصبت، وهناك أشخاص سحلوا، وهناك أشخاص في السجون قتلوا.

هناك بيوت اقتحمت ونساء رملت وأطفال يتمت وأشخاص أصيبوا بإعاقات، هناك نفسيات دمرت وأشخاص رحلت من البلاد وهربت دون رجعة، هناك اعتقالات سياسية وهناك تشويه لأشخاص، وهناك من اتهم بالعمالة وهو بريئ وهناك وهناك وهناك.

وخلف كل هذه الممارسات هناك فاعل ارتكبها بشكل مباشر وهناك من وجه وأعطى الأمر، وهناك من خرج يبرر، وهناك من زيف الحقائق وهناك من أصدر الأحكام وهناك ما زال يبرر هذه الممارسات، بمعنى أدق هناك مجرم ما زال يمارس الانتهاكات لن تتحق المصالحة الحقيقية ما دام هناك من يدافع عن هذا المجرم ويريد أن يعطيه الحصانة.

لن يكون هناك مصالحة وتحول ديمقراطي في فلسطين دون أن يتحقق مبدأ العدالة الانتقالية والذي يعني ضرورة التعامل مع الانتهاكات الماضية والجرائم التي ارتكبت خلال فترة الانقسام، ولأن الذهاب لمصالحة دون تحقيق العدالة وأخذ الحقوق ممن ظلم هو الكفيل ببقاء جرح الماضي دون إلتئام؛ الأمر الذي يهدد بتفجير المشكلات في أي وقت.

الوصول إلى مرحلة العدالة الانتقالية يضمن عدم افلات المجرم من العقاب كما يضمن الشفافية وهو مبدأ من مبادئ التحول الديمقراطي ومن يحاول تصنيفها بأنها انتقام يكون مخطئ وهو مخالف لمبدأ فطري اسمه القصاص.

هذا مبدأ متبع في الكثير من الدول التي عانت انقساماً بشكل متفاوت، حتى الذين يتحدثون على التجربة الافريقية والمصالحة على الطريقة الأفريقية كان هناك شرط أساسي بضرورة محاسبة وتحقيق مبدأ العدالة الانتقالية مع مرتكبي الجرائم.

إذا ما أردنا تحقيق المصالحة يجب أن يرفع الغطاء عن كل من قتل أو ضرب أو ظلم فلسطينياً .. هذا مبدأ رباني قبل كل شيء وهذا مبدأ من مبادئ المصالحة اتبعتها الكثير من  المجتمعات التي عانت من ذلك الوباء ووصلت في النهاية إلى المصالحة.

أن تتحدث عن مصالحة دون إعطاء المواطن حقه من المسؤول عن تعذيبه أو قتل ابيه فهذا كمن يريد أن يقطب جرح دون تنظيفه؛ لن يكتم الجرح وإن كتم فإن القيح سيخرج منه وسيبقى الألم ما دام الجرح لم ينظف.

هذه رسالة للقيادة الفلسطينية أحثها فيها على مصالحة حقيقية تبدأ من إعادة الاعتبار للمواطن المظلوم وتحقيق مبدأ العدالة الانتقالية قبل الحديث عن انتخابات أو أي اجراءات من شأنها تأزيم الحالة وزيادة رقعة الانقسام بدل إنهائه. 

وسوم: 634