أحرارُ الشام بينَ جولتَيْ مفاوضات مع إيران

بغض النظر عن نتائج جولة المفاوضات الأولى التي خاضتها حركة أحرار الشام مع إيران برعاية أممية، و حضور روسي، و قطري حول مدينة حمص في ( أيار 2014)، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام، و جدد فيها بشار العهد لنفسه، فإن الجولة الثانية التي كان جديدها الحضور التركي قد شهدت أمورًا عدّة استجدت، سواءٌ على الصعيد العام، أو على الصعيد الداخلي للحركة.

فعلى الصعيد العام: مالَ ميزان القوى بعد الربع الأخير من سنة ( 2014 )، بشكل واضح لصالح الثوار؛ الأمر الذي جعل إيران، و هي الباحثة عن مصالحها بالدرجة الأولى، ذات موقف ألين ممَّا كانت عليه من قبل، ولاسيّما و هي تدرك أن كلاًّ من بشار، و حزب الله قد تلقيا من الصفعات ما جعلهما في حالة تراجع واضحة.

و على الصعيد الداخلي للحركة: فإنها بعد خسارتها جلّ قادة الصفين الأول و الثاني في العملية الفاجعة، في النقطة صفر في تل صندل، خشي كثيرٌ من المراقبين على مصير الحركة؛ غير أن الانجازات العملياتية التي تحققت في عهد الشيخ أبي جابر قد أعادت لها الثقة بنفسها.

و لا يقلُّ عن ذلك لفتًا للنظر الواقعيةُ السياسية التي بدأت تطفو على خطابها، و تجلت في أمور عدة، منها:

1ـ ميلُها بشكل أوضح نحو ( السَّوْرَنة )، من خلال تبنيها مشروع ( الوطن )، عوضًا عن مشروع ( الأمة ).

2ـ الإقبال على الجهات الدولية الممسكة بالملف السوري، بدلاً من إيلاء الظهر لها، و قد جاء مقال رئيس مكتب العلاقات الخارجية ( لبيب النحاس ) في الواشنطن بوست خطوة متقدمة في هذا السياق.

3ـ التعاطي مع ملف المفاوضات الثانية ( الفوعة ـ الزبداني ) بشيء من المسؤولية الوطنية، إذْ شعرت الحركة أن قضية الزبداني أكبر منها، فكان أن جلست على طاولة التشاور مع الفصائل، و الكيانات الأخرى بخصوص المطالب الإيرانية؛ و بذلك لم تبقَ على الصلابة ذاتها التي كانت تظهرها لهم أيام المفاوضات الأولى، و هو الأمر الذي تشكو منه جلُّ الحركات السياسية في ظلّ وجود القادة المؤسسين.  

لقد أعلنت الحركة وقف المفاوضات مع الوفد الإيراني برئاسة الضابط المقيم في السفارة في استنبول ( أبو حميد )، متهمة طهران بالسعي إلى تغيير ديموغرافية المنطقة المحيطة بالعاصمة دمشق، و منطقة الحدود اللبنانية؛ الأمر الذي جعل الزبداني، في منظور الحركة، ترقى إلى مستوى القضية الوطنية، و الإقليمية بامتياز، لأنها تستهدف إجهاض ما أسمته مشروع تقسيم سورية، حسبما جاء في بيانها.

و هو ما جعل الوسيط السوري، محمد أبو القاسم ( رئيس حزب التضامن )، يسعى إلى إقناع فصائل وفعاليات الزبداني بسحب، و إلغاء التفويض الذي منحوه أحرار الشام؛ لتمثيلهم في أية مفاوضات حول مصير المدينة.

إذْ يرى أن الجناح السياسي ( المشكل حديثًا ) قد مُنِحَ التفويضَ من المجلس المحلي في الزبداني، لإجراء المفاوضات في (22 تموز ) مع الإيرانيين، إلاَّ أنه قرر وقف التفاوض قبل دخول المفاوضات أسبوعها الثالث؛ الأمر الذي يثير تساؤلات حول استعجال الحركة إجهاض هذه المفاوضات، و عدم إعطائها فرصة للاستمرار، علمًا أن تجارب سابقة للحركة، ولاسيّما المفاوضات حول الخروج من أحياء مدينة حمص القديمة في أيار من العام الماضي، قد استغرقت عدة أشهر قبل التوصل إلى نتائج إيجابية ـ حسب رأيه ـ.

لقد تعامل وفد الحركة التفاوضي، الذي ضمَّ كلاً من أبي يحيى الحموي ( القائد الحالي للحركة )، و أبي عبد الرحمن ( رئيس الجناح السياسي )، مع الأمر بواقعية سياسية ملموسة؛ لما يحمل الأمر من ثقلٍ تاريخي واضح؛ فكان أن ذهبوا إلى القائمين على المجلس الإسلامي السوري يطلبون منهم المشورة، و النصح؛ لِما لهم من دالة على الفصائل الأخرى، بحكم وقوفهم منهم جميعًا على مسافة واحدة.

فبادر المجلس إلى الطلب من الفصائل الكبرى الفاعلة على الساحة؛ كي ينتدب كلٌّ منها شخصيتين ( عسكرية، و سياسية )، لتقييم الوضع الذي تعيشه الزبداني، و اقتراح الحلول المناسبة لإخراجها من أزمتها الحالية، في ظل الإصرار الإيراني على التعامل مع الموضوع من زاوية طائفية وقحة.

فطلب من العسكريين المنتدبين أن يضعوا الخطط البديلة لتكون أوراق ضغط في حال فشلت جولة المفاوضات، فكان أن قاموا بتغيير حالة الركود التي كانت تعيشها بعض الجبهات، كالغوطة، و مطار أبي الضهور، و الجبهة الساحلية، و التصعيد في جبهة الفوعة أكثر من ذي قبل.

و ذلك من أجل إعطاء فريق الأحرار التفاوضي، و المؤازر بالموفدين السياسيين من تلك الفصائل، مزيدًا من الوقت للتفكير فيما سيطرح في جولة المفاوضات القادمة، التي يرغبون في أن تأتي إليها إيران بشروطهم.

لقد كان من ثمار هذه الواقعية لدى قيادة الأحرار أن جعلتهم في وضع أفضل بكثير من وضعهم في مفاوضات حمص، فقد أخرجتهم من المأزق الذي كانوا فيه في مبتدأ هذه الجولة.

إن هذه الواقعية التي ليَّنت من مواقفهم تجاه شركائهم في الهمّ، و التطلّع؛ تتطلّب منهم أن يبدوا مزيدًا من الإيجابية تجاه ما يطرح من مبادرات وطنية، من جهاتٍ صادقةٍ في حبِّها لهم، و كان آخرها وثيقة الثوابت السياسية الخمسة التي تبناها المجلس الإسلامي السوري، لحلّ القضية في مواجهة الطروحات التي تعجّ بها الساحة السياسية مؤخرًا. 

وسوم: 634