الخلفيات الدينية المحركة للحرب الدائرة في سوريا

 تحولت روسيا فجأة من دولة كانت تدعي تبنيها للحل السياسي للأزمة السورية ،وترحب باستضافة اللقاءات بين المعارضة السورية والنظام إلى طرف متحيز للنظام في الحرب . وفجأة أيضا شطبت روسيا المعارضة السورية والجيش السوري الحر من الوجود ، وصار الصراع المسلح الدائر في سوريا بالنسبة إليها صراعا بين النظام السوري والإرهاب ، وصارت تقصف قصفا مدمرا بسلاح طيرانها الشعب السوري برمته بذريعة محاربة داعش . ولقد صار لداعش مدلول عندها أوسع من المدلول المتداول لدى الدول الغربية حيث صار كل من يحمل السلاح ضد النظام السوري داعشا وكأن سوريا لم تعرف ثورة  شعبها على نظام دموي مستبد على غرار باقي  ثورات الربيع العربي . ومعلوم أن التدخل العسكري الروسي في سوريا لقي ترحيبا لدى جهات يبدو في الظاهر أن بينها خصومة ولكنها في الباطن متقاربة من حيث خلفياتها الدينية أو بتعبير دقيق وظفت خلفياتها الدينية من أجل خدمة مصالحها السياسية  المشتركة.  فما معنى أن تبارك الكنيسة الأرتودكسية الروسية الحرب الروسية على الشعب السوري وتعتبرها حربا مقدسة ، الشيء الذي يجعلنا أمام فصل جديد من فصول الحروب الصليبية ؟ وقبل مباركة الكنيسة الأرتودكسية لهذه الحرب باركت ولاية الفقيه في إيران والمرجعيات الشيعية الرافضية  في العراق هذه الحرب ورحبت بها . وفي نفس الوقت طار إلى روسيا رئيس الوزراء الصهيوني ليبارك هذه الحرب وهو يمثل المرجعية الدينية الصهيونية . وفي نفس الوقت بارك الغرب الصليبي في باطنه والعلماني في ظاهره هذه الحرب مع شيء من ذر الرماد في العيون لإخفاء تأييد روسيا  عن طريق دعاية إعلامية مكشوفة ظاهرها استنكار قصف الشعب  السوري ، وباطنها تأييد هذا القصف . ويبدو أن التحذيرات الغربية للروس  بسبب دخولهم الحرب في سوريا مجرد مناورة مكشوفة ، ذلك أن الغرب الذي هدد بالأمس القريب  بالتدخل في سوريا بسبب استعمال النظام أسلحة كيماوية محرمة دوليا ، وفرض عليه تسليم أسلحته لا يمانع اليوم في إدخال الروس صواريخ إلى سوريا وأسلحة وعتاد ، ولا يمانع في استعمال سلاح جوهم بل وإطلاقهم صواريخ من بحر قزوين . فماذا نصدق ومن نصدق ؟ فهل يعقل أن يسلح الغرب الجيش الحر لقتال جيش النظام ، وفي نفس الوقت يسمح للروس بقصف الجيش الحر ؟ علما بأن الروس  صاروا يشككون في وجود جيش حر لأن سوريا بالنسبة إليهم فيها جيش النظام و عصابات داعش الإجرامية التي هي في الحقيقة صناعة مخابراتية أمريكية غربية نواتها عصابات المرتزقة المعروفة ببلاك وتر من أجل الإجهاز على ثورة الشعب السوري عندما راهن على الإسلام للتحرر والانعتاق من استبداد النظام ، وهو ما يسميه الغرب إسلاما سياسيا . وهل يعقل  أن تتخلى الولايات المتحدة عن عصابات داعش الإجرامية  وهي صنيعة  مخابراتها التي أريد بها تشويه الإسلام ، وضرب الإسلاميين الثائرين على النظام المستبد ، وتوافق على شن روسيا حربا عليهم بل تتحدث عن تنسيق وتعاون معها لمحاربتها ؟ والظاهر أن سلاح الجو الذي يقصف الشعب السوري واحد سواء كانت الطائرات غربية أم كانت روسية لأن الضحايا هم أفراد الشعب السوري المدنيين العزل . ولقد توافقت العقيدة الأرتودكسية الصليبية مع العقيدة الشيعية الرافضية مع العقيدة الصهيونية مع العقيدة الغربية التي هي خليط من الصليبية والعلمانية لمواجهة ما يسمى الإسلام السياسي  تحت ذريعة محاربة عصابات داعش الإجرامية التي فضحت جرائمها  البشعة والمنكرة براءة الإسلام منها . وهكذا صارت للحرب الدائرة في سوريا خلفيات دينية تحركها من أجل تحقيق مصالح سياسية مكشوفة . فالروس الذين احتلوا أجزاء كبيرة من أوكرانيا وضموا شبه جزيرة القرم على مرأى ومسمع العالم بما فيه العالم الغربي ، وكان ذلك مقابل سكوتهم عن غزو الغرب للعراق من قبل لهم مصالح في الشرق الأوسط بوابتها سوريا . وإيران التي كانت محاصرة من طرف الدول الغربية فكت عنها الحصار بإبرام اتفاق مع الغرب بخصوص برنامجها النووي ، وهو اتفاق أطلق يدها في العراق  وسوريا واليمن تتقاطع مصالحها مع مصالح الروس ، وبوابتها العراق وسوريا . وإسرائيل المستفيد الأكبر مما يحدث في سوريا أمنت احتلالها للجولان ولجنوب لبنان ولفلسطين برمتها وأخذت من الغربيين تعهدا بعدم تحويل الطاقة النووية الإيرانية إلى سلاح يهددها  ، وكانت تتابع المفاوضات بين إيران والغرب خطوة بخطوة، وهو ما أعلن عنه إعلاميا  بأنه كان تجسسا منها على المفاوضات ، والحقيقة أنها كانت حاضرة فيها ، كما أخذت من الروس نفس التعهد وحصلت عليه لتتفرغ لتهويد القدس والضفة وفلسطين برمتها . وهكذا التقت المصالح بين الروس والغربيين والصهاينة والشيعة الرافضة على حساب الشعب السوري وباقي الشعوب العربية التي راهنت على ثورات ربيعها للتخلص من الاستبداد والظلم والفساد ، وكانت الجريرة التي أخذت بها هي الرهان على ما يسميه  المتحالفون ضد الأمة العربية  بالإسلام السياسي ، وقد وضعت خطة جهنمية لاستئصاله ضمانا لمصالح المتكالبين على الأمة الذين يتبادلون الأدوار وفق  هذه المصالح التي  جعلتهم حلفاء في الباطن مع ادعاء الخصومة في الظاهر .

وسوم: 637