أبو وضاح
شاب نحيل بلحية قصيرة يقود سيارة، ينحرف بها يمينا ويسارا، على بعد أمتار يلمح حاجزا عسكريا، يقف خلفه مجموعة من الجنود المتأهبين.
كم يبغض تلك الوجوه، لمعت في وجهه نظرة انتقام عنيفة لا تخطئها العين.
لحظات وتسقط فوهات البنادق المصوبة في اتجاه المارة .
لحظات ويتحول الحاجز العسكري إلى عجين وتتناثر واجهة المبنى.
لحظات ويغادر ذلك العالم الذي يتحول فيه طيار أباتشي لا يجيد شيئا في الحياة سوى قصف عشش المدنيين الفقراء في سيناء، وتصويب قذائفه على أجساد الأطفال الرخوة إلى خير أجناد الأرض.
لحظات ويغادر ذلك العالم الذي لا يحتقر نفسه حين يهتف لشاويش لا يجيد حتى تركيب جملة عربية سليمة.
أفكار ربما دارت في ذهن الشاب قبل أن يفجر سيارته.
ضغط بقدمه على دواسة البنزين وضغط زرا ما.
فتحول الحاجز إلى فتات.
صوت انفجار ضخم وأجساد الجنود والضباط تتناثر.
وصوت طنين صامت يعم المكان للحظات.
ثم يبدأ من تبقوا على قيد الحياة في رصد الفوضى.
واجهة مبنى تهدمت، صوت رصاصات.
سيارة تحولت إلى عجينة بيتزا كان يقودها منذ لحظات شاب نحيل بلحية خفيفة.
صحف الانقلاب تكتب عن الهجوم.
لكن لا أحد يتذكر كيف كان أبو وضاح منذ ما يزيد عن السنتين.
شاب في العشرينيات من عمره شارك في الثورة.
كان من النشطين في حملة البرادعي، وربما كان من بين مستقبليه في المطار عندما هبط على مصر بالباراشوت في بدايات عام 2010 .
تحولات فكرية ؟
خذ عندك أيضا تحول نفسي كامل جعله ينسلخ من بيئته.
يقول من يعرفون الشاب أبو وضاح إن والده ضابط بجيش المعونة الأمريكية وأن شقيقه يعمل كضابط في الداخلية.
لا ريب أن الشاب قبل هذا التحول كان من بين من يعتقدون أن البرادعي (سابقهم بـ 500 سنة ضوئية).
وربما كتب عنه على صفحته بالـ"فيسبوك" أنه رئيس جمهورية الضمير.
يقولون أيضا إنه كان شديد العداء للإسلاميين، ربما كان يطلق عليهم ذلك اللفظ المحبب لغير الإسلاميين (متأسلمين).
ربما تشاجر في تعليقاته مع شباب الإخوان المسلمين متهما جماعة الإخوان بالاستبداد والرغبة في التكويش أو الفاشية الدينية .. الخ.
تصور كل ما يمكن أن يقوله شاب مؤيد للبرادعي وكان عضوا نشطا بحملته.
المؤكد أنه تعرض لصدمة سحقت مجموعة المفاهيم التي كونها في سنوات ما قبل الثورة والتي اعتقد أنه صقلها خلال فترة العمل السياسي الخصبة بعدها.
ولا شك أنه واحد من بين مئات الآلاف من الشباب الذين سُحِقَتْ أحلامهم في التغيير يوم 3 يوليو.
ربما امتلأ وجهه اشمئزازا وهو يستمع إلى شاويش الانقلاب يتلو بيان الانقلاب.
ولا شك أنه بدأ يتابع كملايين غيره تصاعد نبرة التعدي على الإسلام.
لا ريب أنه شاهد إعتداءات الداخلية على عشرات المظاهرات بعد رابعة. ولا شك أنه تابع بذهول وعدم تصديق مشاهد مجزرة رابعة.
ومن المؤكد أنه أدرك أن كل ما يحدث حرب على الإسلام ولا شك أنه قرأ تصريحات شاويش الانقلاب والتي يتعهد فيها بحماية أمن الكيان الصهيوني.
لا ريب أنه تابع سلسلة طويلة من المواقف والتصريحات والأخبار طوال السنتين الماضيتين.
لا أعرف إسمه الحقيقي ولا أعلم تاريخه على وجه الدقة, ولكنه واحد من مئات الآلاف من الشباب الذين سدت عصابة الانقلاب في وجههم سبل التغيير وانقلبت على أول تجربة انتخاب حر.
أبو وضاح لم يعش ليشاهد ما يحدث الآن في الأقصر, وما فعلته الداخلية التي قتلت الشهيد طلعت شبيب لمجرد أنه سب شاويش الانقلاب (الذي يسبه الجميع ليل نهار على صفحات الفيسبوكوفي الشوارع).
انتقال تلك الطبقة من الشباب (البرادعاوي) إلى طرف النقيض (سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم)، لهو أمر ينذر بالكثير، إذا لم نعمل جميعا على استعادة مصر من تلك العصابة وإعادة الرئيس المنتخب إلى منصبه.
وسوم: العدد 644