العلاقة بين الأمن الغذائي وحق التعليم، العراق إنموذجاً
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
للأمن الغذائي معنى محدد هو قدرة البلد على توفير احتياجات الأفراد من الغذاء لاسيما الاساسي بالاعتماد على الانتاج المحلي أو الاستيراد في جميع الظروف العادية والاستثنائية وبغض النظر عن الاسعار في السوق العالمية، وتقع على كاهل السلطات العامة في العراق مهمة توفير المواد الغذائية وايصالها إلى المواطن بمختلف السبل كما انها مطالبة بمراقبة اسعارها ومنع احتكارها أو التلاعب بكمياتها واقيامها من قبل التجار وغيرهم، ليتسنى للجميع الحصول على الغذاء الصحي وبشكل كافي وملائم، وكمثال على ذلك أخذ بعض المؤسسات الصحية على عاتقها توفير أغذية لبعض الفئات كالمرضى أو النساء الحوامل بغية التعويض عن نقص بعض العناصر الغذائية، وهو الأمر الذي يتفاوت من شخص لأخر بحسب الجنس والمرحلة العمرية بحسب المختصين بالشأن الطبي.
اما الحق في التعليم فهو نشاط من شأنه نقل المعارف والمهارات والخبرات إلى الغير، بعبارة أخرى هو مجموعة من الفعاليات التي يراد منها صقل شخصية المتعلم وفق قوالب معرفية وقيمية معينة، ويتضمن التعليم ايضاً انتقال القيم الحضارية التي تتصل بالجوانب الاجتماعية والثقافية من جيل لآخر، والعملية التعليمية تقوم على مقومات مادية كالأبنية المدرسية وأخرى بشرية، وتمتزج هذه المقومات مع بعضها البعض لتأتي أكلها بيد ان الملاحظ انها لن تأتي ثمارها مالم تتضافر عدة عوامل اسرية واجتماعية ورسمية وحتى خارجية أو دولية.
هذا ويلعب الأمن الغذائي الدور الابرز في نجاح العملية التعليمية في البلد فهو المؤثر الأهم لعدة اسباب اهمها ما يأتي:-
اولا// فقدان الأمن الغذائي عامل رئيس في ارتفاع معدلات رسوب الطلبة في المؤسسات التعليمية نتيجة التأثيرات السلبية التي يتركها على جسد ودماغ الطالب لاسيما طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة (التعليم الاساسي).
ثانياً// شيوع ظاهرة الفقر نتيجة انعدام الأمن الغذائي يرفع معدلات التسرب من الدراسة إلى مستويات خطيرة جداً تهدد التعليم في بعض المناطق الفقيرة وترفع من مستوى الامية إلى حد خطير وهو ما سينعكس بالمحصلة على ارتفاع معدلات الجريمة و.....الخ.
ثالثاً// تدني قيمة العملة وانهيار القدرة الشرائية سيتسبب بشيوع ظواهر الفساد الإداري والمالي في المؤسسات التعليمية وجنوح المدرسين والمعلمين إلى اساليب ملتوية لتوفير الأمن الغذائي لعوائلهم وهو ما لوحظ بشكل جلي في العراق في تسعينيات القرن الماضي بصيغة الدروس الخصوصية واخذ الرشى وغيرها من الطلبة.
رابعاً// فقدان الأمن الغذائي سيحمل بين طياته مخاطر على القطاعات الاخرى كالصحة مثلاً بالنظر لزيادة الطلب على العلاج والرقود بالمستشفيات نتيجة تفشي الامراض والاوبئة التي يخلفها اهتزاز النظام الغذائي للأفراد.
ولو تساءلنا ونحن نخوض في العلاقة التي لا تقبل الانفكاك بين الأمن الغذائي والتعليم ما الدور المناط بالحكومة العراقية في الحد من ذلك؟
والاجابة مستقاة من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الذي الزم السلطات العامة في العراق في المادة (15) بكفالة الحق في الحياة والحرية والأمن لجميع العراقيين والأمن هنا يفسر بمعناه الواسع الذي يعني فيما يعنيه الأمن الغذائي، كما ان المادة (34) هي الاخرى الزمت السلطات بكفالة حق التعليم بوصفه عامل اساسي لتقدم المجتمع وهو الزامي في مراحله الابتدائية كما تتكفل الدولة بمحو الامية وبين هذا وذاك الحكومة العراقية ملزمة بإصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية وعلمية حديثة بما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجع القطاع الخاص وتنميته.
واستقراء النصوص المتقدمة يلقي على كاهل الحكومة المركزية العراقية والمحافظات المختلفة واجبات بعينها نلخصها بالآتي:-
اولاً// توفير التعليم والأمن:- وهو يتحقق بتضافر الجهود لتوفير المستلزمات المادية والبشرية لضمان حصول الجميع على خدمة التعليم وكفالة الأمن الغذائي لينصرفوا إلى التعلم بلا منغصات تذكر.
ثانياً// حسن الإدارة:- أي الإدارة الرشيدة لقطاعي التعليم والاقتصاد ليسيرا بشكل تكاملي فطلبة المدارس هم بالوقت عينه أبناء اسر تعمل افرادها في القطاع الزراعي أو الصناعي أو الحكومي ما يتطلب استيعاب الصدمات الاقتصادية التي من شأنها ان تؤثر سلباً على مدخولات تلك الأسر فتسبب فقدانها الأمن الغذائي ويحصل المحذور الذي نوهنا عنه اعلاه الا وهو التسرب من مقاعد الدراسة.
ثالثاً// الخدمات العامة الساندة:- فهنالك خدمات بتوافرها يتحقق الأمن الغذائي والتعليمي في البلد ومنها الحفاظ على الصحة العامة وحماية البيئة من التلوث وتوفير الخدمات العامة كالكهرباء والنقل العام ومراقبة مشاريع تصفية المياه والمنتجات الصناعية لاسيما الصناعة الغذائية الوطنية أو المستوردة.
وتؤكد الوقائع ان تحقيق الأمن الغذائي يعتمد بالدرجة الاساس على تنمية الانتاج الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية والمنتجات الاخرى كاللحوم بمختلف انواعها وهي السبيل الامثل لتحريك قطاعات أخرى كالصناعة والتجارة، كما ان توفير المنتجات محلياً يجنب الدولة الخوض في توفير نفقات باهظة في الموازنة العامة ويمنع تسرب العملة الصعبة نحو الخارج لاستيراد بضائع استهلاكية وتحمل الوزارات المعنية تكاليف فحص هذه البضائع وغير ذلك من النفقات كما ان تشجيع المنتجات الوطنية سيسهم في تنمية قطاع الزراعة ويمنع هجرة الفلاحين من الارياف إلى المدن ما يتسبب في تصحر الاراضي وينعكس سلباً على المدن لزيادة طلب الخدمات لاسيما التعليمية فيها ويعظم من مخاطر تغييرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
مما تقدم نجد العلاقة الحتمية بين الأمن الغذائي والتعليم ولنا في سنوات الحصار الاقتصادي الذي فرض على شعب العراق المثال الابرز في ذلك فقد تسبب بانعدام الأمن الغذائي في العراق ورافقه نظام دكتاتوري ما خلف اثاراً سلبية على الكثير من افراد الشعب العراقي اذ تشير تقارير منظمتي الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ومنظمة الأمم المتحدة للاغذية والزراعة "الفاو" إلى ان من آثار ذلك انتشار ظواهر خطيرة ومنها:-
1- سوء التغذية تسبب بموت مليون ونصف المليون من اطفال العراق.
2- تسبب الحصار بتحطيم البنية الاساسية للمجتمع لاسيما البنية التحتية التعليمية وارتفعت معدلات الامية إلى مستويات غير مسبوقة.
3- انتشار ظاهرة تقزم الاطفال أو اصابتهم بالهزل الشديد.
4- اصابة النساء لاسيما في سن الانجاب بأمراض مختلفة ومنها فقر الدم الحاد بسبب سوء التغذية وانسحب ذلك على مشاكل صحية في مرحلة ارضاع الطفل.
5- انخفاض اوزان الاطفال عند الولادة إلى مستويات خطيرة.
هذه المشاكل كان لها دور كبير في تدني المستوى التعليمي وبسبب الفقر المدقع اضطر ملايين الطلبة إلى ترك مقاعد الدراسة للعمل واعالة عوائلهم، وهو ما نجد بعض تطبيقاته اليوم تتكرر في ظل اوضاع امنية غير مستقرة وازمات سياسية واقتصادية متتالية تعصف بالبلد، وفوق كل ذلك نلاحظ تباطؤ حكومي في معالجة الآثار المدمرة لسنوات حكم النظام البائد رغم ان الدستور وهو القانون الاسمى في البلد الزمها بذلك في الكثير من المواطن ومنه المادة (29) التي فرضت على الدولة حماية الامومة والطفولة والشيخوخة وان ترعى النشأ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
ومن وجهة نظرنا ان التحرك الحكومي لمواجهة المخاطر التي تتهدد الأمن الغذائي وحق التعليم لاتزال خجولة جداً والخطوات المتخذة لا تسمن ولا تغني من جوع، ونقترح على ذوي العلاقة بعض الحلول التي ربما تسهم في حلحلة الواقع وكما يأتي:-
اولاً// السير بخطين متوازيين الأول التنمية الزراعية والصناعية، والتنمية التعليمية المستدامة وفق أسس علمية ووسائل تقنية متطورة والسعي الجاد إلى رفع الوعي الغذائي لجميع أفراد المجتمع وتوضيح مخاطر بعض الاطعمة والعادات الغذائية السلبية وفي الوقت ذاته تبيان فوائد الاطعمة التي من شأنها تنمية القوى الذهنية والفكرية لدى الأفراد لتحقيق الرقي العلمي في المجتمع العراقي.
ثانياً// لابد من تعديل قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 وتضمينه عقوبات صارمة بحق المتسبب بالإضرار بالبيئة لاسيما البيئة الطبيعية في الاهوار تنفيذاً لمعاهدة رامسار التي صادق عليها العراق بمقتضى القانون رقم (7) لسنة 2007.
ثالثاً// العودة إلى نظام التغذية المدرسية المتبع في العراق لغاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي لما له من اهمية في بناء جسم التلميذ في المدارس الابتدائية وما يحققه من فوائد متعددة تتمثل في زيادة تعلق التلميذ بالمدرسة واندفاعه نحو التميز في دراسته بدل من تطبيق قانون منحة التلاميذ والطلبة في المدارس الحكومية رقم (3) لسنة 2014 المعطل.
رابعاً// تحديد مسببات تسرب الطلبة عن المدارس ومعالجتها جذرياً وفق خطة وطنية شاملة للقضاء على الفقر وانعدام الأمن الغذائي في العراق.
خامساً// تفعيل دور مراكز الرعاية الصحية الاولية التابعة لوزارة الصحة بإعداد قاعدة بيانات تتضمن اسماء النساء المتزوجات ولكل منها سجل طبي يتضمن زياراتها للمؤسسة الصحية وما كانت تعانيه من امراض وتطور حالتها الصحية وتشجيع النساء لاسيما الريفيات على ان تكون لهن زيارة منتظمة للمؤسسة الصحية لمتابعة تطور وضعها الصحي، وتنظيم حملات جوالة إلى منازل النساء الحوامل لغرض المتابعة الصحية، لما لذلك من اثر واضح في مستقبل الجنين ولعل المقولة المعروفة خير دليل على ذلك (العقل السليم في الجسم السليم).
وسوم: العدد 655