أجواء المصالحة بين تركيا ومصر.. حسابات وعقبات
بدَتْ إرهاصات دخول تركيا ومصر أجواء المصالحة بعد شقاق تخطى أمده العامين منذ انقلاب الثالث من يوليو على الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث رفضت تركيا الاعتراف بحكومة الانقلاب، ما ترتب عليه اتجاه الجانب المصري لقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع تركيا.
الحديث يجري الآن عن وجود وساطة سعودية لتطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وهو ما ظهر في حديث وزير الخارجية التركي (جاويش أوغلو) خلال مؤتمر الرياض الذي جمعه ونظيره السعودي عادل الجبير، وهو ما قد يفسر الهدوء النسبي في لهجة وسائل الإعلام المصرية حيال تركيا.
الأمر يثير تساؤلات عدة حول حسابات الدول الثلاث في الدخول إلى أجواء المصالحة ومدى إمكانية تحققها، وحول تأثير المصالحة المحتملة على المسار الثوري في مصر، ومصير المعارضة المصرية التي تحظى بتأييد تركيا.
* السعودية بدأت منذ تولي سلمان الحكم في إقامة علاقات أكثر هدوءًا مع التيارات الإسلامية، وأدركت أن معركتها ليست مع تلك التيارات، واتجهت لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعدما رفعت الولايات المتحدة الأمريكية يدها عن إيران، وسمحت بتمرير الاتفاق النووي لصالح طهران على حساب الأمن الخليجي، في ظل اتجاه أوباما للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط للتفرغ للعملاق الصيني في آسيا، والعبث الروسي في الشرق الأوروبي.
* السعودية التي ترتبط حاليا مع تركيا بعلاقات وطيدة، تعمل على احتواء مصر وعدم تركها للتخندُق في المعسكر الإيراني، ومن ثمّ تسعى الرياض لتطبيع العلاقات بين مصر وتركيا، وهو ما يدعم هذا الاتجاه.
* أما الحكومة التركية فتتعرض لضغوط خارجية وداخلية للتخلّي عن موقفها من الانقلاب، ويأتي ذلك في ظل أجواء التصعيد الإرهابي، وتعقّد الموقف في سوريا خاصة بعد التدخل الروسي، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية الضخمة التي تواجهها، ولذا تسعى لتخفيف التوتر في علاقاتها الخارجية.
* ربما يدعم هذه الرؤية الخاصة بتركيا، أن المسار الثوري في مصر لإعادة الشرعية قد وصل إلى حالة ما يشبه الاكتفاء بترقب سقوط النظام وظهور فشله، إضافة إلى تدخل أطراف إقليمية ودولية للإبقاء على حكم السيسي، ومن ثمّ تفرض حسابات المصالح والمفاسد نفسها على سياسة تركيا لإبداء قدر أكبر من المرونة في التعامل مع النظام الانقلابي.
* ونعم.. النظام المصري يهمه المصالحة مع تركيا، لأنها تتضمن تثبيتا لأركانه، وإظهاره بشكل أكثر انفتاحا على المجتمع الدولي، كما أنه يسعى للاستفادة من العلاقات الاقتصادية التي يمكن عقدها مع تركيا عضو مجموعة العشرين.
وبالرغم من ذلك، فالمصالحة بين الجانبين ليست بالشيء الهين، فأمام تلك المصالحة هناك عدة عقبات.
* من هذه العقبات احتمالية رفض شعبي لتعامل الحكومة التركية مع النظام الانقلابي، حيث أن شرائح كبيرة من المجتمع التركي تتعاطف مع معارضي وضحايا الانقلاب، وتفتخر بموقف حكومة العدالة والتنمية الرافض للقفز على الديموقراطية.
ومنها استضافة تركيا للكثير من معارضي الانقلاب على أرضها، وهو ما قد يجعل تركيا في مواجهة مطالب مصرية بتسليم المعارضين، وأعتقد أن هذه القضية محسومة لدى حكومة أنقرة التي لا تلتزم بمعاهدات تسليم مع مصر، ومن ثم قد تتعثر المصالحة.
* تركيا حتما لن تترك معارضي الانقلاب لقمة سائغة للانقلاب حال إتمام المصالحة، فهذا الوضع قد يضر بسمعة الحكومة التركية التي عرفت بتقديم المبادئ على المصالح ونصرة المظلوم، ومن ناحية أخرى لن تقبل تركيا التي نجحت في إرساء نظام ديموقراطي بأن تكون داعما لنظام ديكتاتوري ضد شعبه، أو تغض الطرف عن السياسات القمعية في مصر.
ولذا لن تمرّ تلك المصالحة إلا في ظل وجود صيغة (تحفظ سمعة ومصالح) تركيا وتُنقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا ثورة 25 يناير، وأرى أن ذلك لن يكون إلا عبر التوافق على ملفين.
الأول: تحسين الملف الحقوقي في مصر، والإفراج عن المعتقلين.
والثاني: إدماج القوى الثورية المعارضة للانقلاب وخاصة الإخوان المسلمين، في الحياة السياسية.
مع ذلك يبقى موقف معارضي الانقلاب لا يمكن التنبؤ به، فكتلة كبيرة من الصف الثوري لا ترضى سوى بإسقاط النظام الانقلابي والقصاص العادل، وعودة الشرعية.
وسوم: العدد 655