رحلة للحكومة للتعرف إلي الشعب!
أقترح على الدولة أن تنظم رحلة للحكومة تتعرف خلالها إلي الشعب المصري الذي يشاع أنه مضياف وعلى سجيته. بهذه الرحلة نضرب عصفورين بحجر: من ناحية تنشيط السياحة، ومن ناحية توطيد علاقة الحكومة بالشعوب الصديقة. وكلي ثقة أن السادة المسئولين سيعودون من رحلتهم بإذن الله غاية في السعادة محملين بالهدايا التذكارية وأجمل الذكريات. خطرت لي هذه الرحلة بعد أن قرأت عن تكريم الصبي أسامة محمد من قبل اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء. إنه الصبي الذي لم يتجاوز الحادية عشرة لكنه لفت أنظار المؤسسات الحكومية والمدنية والبرامج التلفزيونية والإعلام بشدة بعد أن تسربت إجاباته في امتحانات الصف الخامس الابتدائي إلي وسائل التواصل الاجتماعي. في امتحان مادة الإنشاء حول"فضل الأمهات" كتب الصبي بتلقائية:"ماتت أمي ومات معها كل شيء". وأثارت هذه العبارة البسيطة العميقة الرأى العام بجمالها وصدقها وما تنطوي عليه من مشاعر حرمان مريرة. بعدها تخاطفت الأضواء الصبي"أسامة محمد"، وتلقفته باهتمام بالغ البرامج التلفزيونية وصفحات الجرائد والمسئولون الحكوميون وعدسات المصورين، كأنه اكتشاف كوكب جديد،أوهيكل لديناصور من ملايين السنين عثروا عليه كاملا ! في برنامج وائل الأبراشي " العاشرة مساء" حكى الطفل قصته. قال إنه يعيش في قرية بالشيخ زويد بسيناء في بيت من الصفيح مع تسعة أخوة ووالد مصاب بشلل نصفي، يعيشون بلا كهرباء ولا ماء ولا حتى أسرة للنوم، وقال إنه يعمل في أيام إجازات المدرسة في جمع الطماطم والخوخ مع المزارعين ليعول أخوته ووالده، وأنه حين ماتت أمه من أربعة أعوام شعر بأن كل شيء قد مات معها ، فكتب ماأحس به! دهشة الاعلاميين، ونظرات الاستغراب في عيون المسئولين الحكوميين، وما أحاطوا به الصبي من اهتمام بالغ وتعجب، وتنهدات الأسى، كان جديرا بحالة استثنائية من أوضاع الطفولة بمصر، ومن ثم تستدعي وقفة الذهول تلك! هكذا قرر اللواء عبد الفتاح حرحورمحافظ شمال سيناء تكريم الصبي المعجزة في ديوان عام المحافظة بحضور وكيل وزارة التربية ومدير عام الشباب والرياضة ومدير القوى العاملة ومقرر فرع المجلس القومى للمرأة، ومقرر فرع المجلس القومى للأمومة والطفولة،ومقرر فرع المجلس القومى للسكان،ومدير جمعية الفيروز للخدمات الاجتماعية،وتم استضافة الصبي واسرته بالمدينة الشبابية بالعريش لثلاثة أيام. وقرر المحافظ إهداء أسامة رحلة مجانية إلي القاهرة للتعرف إلي معالمها! ألا يعرف كل أولئك السادة أن بمصر عشرة ملايين طفل فقير؟ من بينهم نحو مليوني طفل يعملون في الأعمال الشاقة؟ وأن عدد أطفال الشوارع بلغ ثلاثة ملايين؟ وإذا كانت حالة أسامة محمد قد فاجأت المسئولين وأجرت دموعهم ألا يعني ذلك أنهم لا يعرفون مصر أصلا؟ ولا يعلمون أن عليهم أن يحلوا – ليس مشكلة أسامة- لكن مشكلة جميع الأطفال في مصر؟ أم أنه ينبغي على كل طفل أن يبتدع عبارة رشيقة ذكية لينتزع جزءا من حقوقه أو يبقى في عتمة الشوارع؟. ومادامت الحكومة مدهوشة لهذه الدرجة من حالة هي نموذج لوضع عام، فإنني أقترح بجدية تنظيم رحلة للحكومة للتعرف إلي الشعب المصري، بأمل أن يشجع ذلك لاحقا على تبادل الوفود والبعثات، وكلي ثقة أن المسئولين سيرجعون بأجمل الذكريات عن بلد عريق وشعب صديق طالما وقف إلي جوارنا في المحن والشدائد.
وسوم: العدد 670