الحدود البديلة لسايكس بيكو

معاذ عبد الرحمن الدرويش

بعد مرور ما يقارب القرن  من الزمن على إتفاقية سايكس بيكو على تقسيم الوطن العربي  ، و مع  بدايات القرن الحالي بدا واضحاً  مدى الترهل الذي تعانيه الكثير من الأنظمة العربية الحارسة لتلك الحدود ، و مع سقوط بغداد عام 2003 على يد الأمريكان ..كانت بداية النهاية ، و إيذاناً لنهاية مرحلة سايكس بيكو ، و البدء لتأسيس مرحلة جديدة..

قامت إتفاقية سايكس بيكو عام  1916 م و التي بموجبها تم تقسيم المشرق العربي إلى دويلات عديدة ،

اعتمدت إتفاقية سايكس بيكو على خطوط جغرافية  اعتباطية إلى حد كبير في تقسيم المنطقة إلى دول و دويلات.

و بعد مرور مائة عام على سايكس بيكو، و مع بدايات القرن الحالي انطلقت شعلة الثورت العربية..

لم تكن الثورات العربية صناعة امريكية كما ادعت الانظمة العربية البائدة..و إنما كانت نتيجة طبيعية و متوقعة ...فالأمريكان منذ نهاية القرن الفائت كانوا يتحدثون عن شرق أوسط جديد و عن الفوضى الخلاقة ...كاستقراء طبيعي للوضع و ليس كفعل مفتعل من قبلهم... فهم كانوا يقرؤون الواقع و كانوا يستعدون لاستغلال أي جديد في المنطقة.

فالأمريكان ليسوا مع ثورات الربيع العربي ، لكن الأمريكان هم أكثر من يجيد لعبة ركوب الأمواج ، و ركبوا موجة الربيع العربي  لتكون مطية في تحقيق واقع جديد في المنطقة، و استثماره في نقل الوطن العربي إلى مرحلة ما بعد سايكس بيكو ...

و على مبدأ أن أتغدى فيك قبل أن تتعشى بي، كان لا بد من السيطرة على الوضع و إزالة حدود سايكس بيكو وفق مخططهم ،  قبل أن تزال بإرادة الشعوب العربية الثائرة.

انطلقت سايكس بيكو من سوريا و العراق في تقسيم الوطن العربي ، و مرحلة ما بعد سايكس بيكو انطلقت أيضاً من سوريا و العراق ...

فاول ما سقطت بغداد ، و أول حدود إزيلت هي حدود سوريا..

لقد استطاعت أمريكا إقناع كل الأطراف المتصارعة في سوريا داخلياً و خارجياً لإزالة الحدود الجغرافية المحيطة في سوريا..فأول ما خسر نظام الأسد نقاط الحراسة الحدودية شمال و شرق و جنوب البلاد ..و أول ما كسبت الثورة نقاط عسكرية كانت نقاط الحراسة الحدودية ..لقد أقنعت أمريكا دول الجوار المحسوبة على الثورة في بدايتها بضرورة إزالة الحدود لإدخال الدعم للثورة و لاستقبال اللاجئين  في نفس الوقت.

و في نفس الوقت تم إقناع الدول الداعمة لنظام الأسد المجرم بأن إزالة الحدود سيكون فرصة سانحة لإدخال الجنود و العتاد  و الميليشيات لدعم نظام الأسد ، في حين أنه تم إقناع نظام الأسد أن تخليه عن الحدود سيسهل دخول  المقاتلين الغير سوريين و سيساعد على تحويل مسار الثورة من شعبية إلى إرهابية بالمفهوم الدولي ..و هذا هو المنقذ الوحيد له..

و مع ظهور داعش تم فتح الحدود العراقية بشكل كامل أمامها لتدخل إلى العراق ، و تصل إلى حدود بغداد في مسرحية أطفال ساخرة في إخراج هوليودي أمريكي...

بعد إزالة حدود سايكس بيكو، التقسيم الجديد للمنطقة لن يكون تقسيما جغرافيا و إنما سيكون تقسيما طائفيا و عرقيا و دينياً.

و التقسيم الأولي سيكون شيعة و سنة ، عرب و أكراد و أتراك و فرس و السنة سيتم تقسيمهم فيما بعد الى متشدد و معتدل  و صوفي و سلفي و إخواني و إلى ما هنالك من تقسيمات ممكنة.

فالحدود الجغرافية لن تكون مهمة كثيراً في ظل التقسيم الجديد ، بل على العكس ستكون عائقا في تحقيقق ذلك ..من أجل ذلك تمت إزالة كامل حدود سوريا على جوارها و تمت إزالة  حدود العراق أيضا ، و من هنا سيتم الايقاد على نار التقسيم الجديد  لتلتهم المنطقة برمتها.

في نهاية القرن ما قبل الماضي تنامى الشعور القومي العربي لدى الشعوب العربية ،  و قد غذى الغرب  تنامي ذلك الشعور من خلال دعمه لشخصيات و جمعيات و أحزاب تنادي بالقومية العربية، ليس محبة بالعرب و إنما في سبيل سلخ العرب عن الدولة العثمانية ، و وقف العرب في الحرب العالمية الأولى  إلى صف الحلفاء بقيادة بريطانيا و فرنسا وروسيا ضد المركز المتضمن ألمانيا و النمسا و الدولة العثمانية  ، و انتصر الحلفاء ، إلا أن العرب حلفاء الحلفاء كانوا هم أكثر الخاسرين في تلك الحرب ، و كانت الجائزة بدلا من حلمهم  بدولة عربية واحدة العشرات من الدول ، و لتعويض العرب عن كامل خسارتهم تم انشاء أحزاب قومية تنادي بالوحدة العربية كإبر مخدر للشعوب الجياشة مشاعرها قومية و عروبة  ليس اكثر..

التاريخ يعيد نفسه ، وقفت أمريكا و الغرب مع ثورات الربيع  العربي ، بإدعاء أنها تريد الديمقراطية و الحرية لشعوب المنطقة المضطهدة.

لكن الجائزة ستكون ديمقراطية  قتل و حرية  ذبح ، عبر حروب طائفية تحرق المنطقة برمتها..

و ما نشاهده و ما شاهدناه من فيديوهات تحت اسم مسربة .. لم تكن وليدة الصدفة و لم تسرب و إنما كانت ضمن منهجية معينة ..و بأوامر قيادات مرتبطة...لكي تصب النار على الزيت و لكي تشحذ سكين الحقد الطائفي و العرقي لتقسيم المنطقة وفق إتفاقية كيري لافروف و التي ستضمن أن تعيش المنطقة في انقسامات سرطانية الى ان يشاء الله.

كل ذلك يتم  بفضل و على حساب القطيع المرتبط  بالولي الفقيه في طهران ، و الولي الفقيه مرتبط بالمهدي المنتظر ، و المهدي المنتظر لا يعيش في السرداب تحت الارض كما يدعون ، و إنما يعيش في تل أبيب فوق الارض كأي شخص عادي..

الحدود البديلة لحدود سايكس بيكو لن تكون حدود جغرافية كما يظن البعض...الحدود البديلة ستكون حدود فكرية و حدود دينية و حدود عقائدية و حدود قومية ، بل على العكس ستزال كل الحدود الجغرافية لكي يتسنى للحدود الجديدة أن ترتسم جيداً في أدمغة الجميع... و ستكون الحدود الجغرافية بأي كيان مهما كان صغيراً  حلماً صعب المنال لأن النار ستلتهم كل شيء..

راجياً من الله أن لا أكون مصيباً  في هذا التحليل.

وسوم: العدد 673