أين الأنظمة العربية.. من العدوان الإيراني؟
إيران في كل مكان ، تحارب تقتل تتوسع وتضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية والإقليمية ولم تقم بأي اعتبار لأية حكومة عربية سواء ممن يتعامل معها فوق الطاولة أو تحتها، وسواء ممن يرسل مسؤولية للقاء القادة الإيرانيين سرا وعلانية أو ممن يرسل موظفين سابقين بصفة غير رسمية لتقريب وجهات النظر ونزع فتيل التوتر معها .
فأين الأنظمة العربية وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي التي أصلا ما ما عادت تتحدث عن الخطر الإيراني إلا على وفق كليشات الإدانة ورفض عدم التدخل في الشأن الداخلي العربي ؟.
ولماذا تصر الحكومات العربية على عدم تنسيق مواقفها لمواجهة المشروع الإيراني؟ وتفضل الظهور أنها دائمة الاستسلام أمام الجار " العدو " الإيراني الذي يتعمد انتهاك السيادة العربية دون رادع ، فطهران تدرك تماما أن لا أنظمة ولا جيوش عربية ستتحرك لتقاتله أو تعلن الحرب عليه، بل لم تجتمع على رؤية موحدة لتعريف الخطر الإيراني ، وليس لبناء مشروع لمواجهة إيران .
بينما نرى الحكومات العربية نفسها تتحالف ضد أحزاب وتنظيمات عربية ، ونشاهد الجيوش العربية تتجهز بصفقات أسلحة خيالية لشن الحروب عل شعوبها تحت حجج وذرائع ما أنزل الله بها من سلطان ، فيا ترى لماذا يُستفز بعض الحكام العرب من كلام لزعيم حزب معارض أو رجل دين هنا وهناك ، ويسخر آلته الاعلامية في الداخل والخارج ، وأزلامه الذين يقتاتون من فتات موائده لشن الحملات الاعلامية والنفسية والعسكرية لنيل القصاص العادل منه ؟ و لا نرى هذه الحمية والفزعة العربية تظهر أمام العدو الحقيقي للأمة أي أمام إيران وإسرائيل ؟ ولماذا ترفع رايات الجهاد بكل أشكاله ضد الإرهاب الداخلي والخارجي والعابر للحدود ، وتُرسم المخططات لمجابهته، تحت مسميات مختلفة وحجج ، بينما الإرهابي والبلطجي الأول الذي يقتل السوريين والعراقيين .... جهارا نهارا وبدون أي رادع هي دولة ولي الفقيه ، وعرابها توم كروز إيران " الميجر جنرال قاسم سليماني " الذي ينفذ المهمة التي لم تعد مستحيلة ، فلا نرى من يطرد سفير إيران ، ويغلق سفاراتها وملحقياتها ، بل لا ُيوجه إليها سؤال أو كلمة أو حتى تنديد أو حتى انتقاد إلا من النفر القليل ؟.
العدوان الإيراني المتجدد على الأمة العربية يتم ويجري في ظل صمت عربي وإسلامي رسمي مطبق و فاضح ؛ أما شعبياً فهو لا يزال خجولاً تحت ضغط وتوجيه الأنظمة العربية التي تخشى إيران حفاظاً على بقائها ، بل باتت تخشى من دعوة المؤسسات الدينية والإعلامية إلى ممارسة دورها الحقيقي في توجيه الأمة صوب الخطر الإيراني بشكل صريح وواضح كما ذكر لي ذلك مسئول خليجي كبير دعاني لمقابلته مؤخراً بناء على دعوة شخصية منه ، حيث تحدث بمرارة عن فشل بلورة مشروع عربي مشترك لمواجهة إيران ، واعتباره مغامرة غير محسوبة العواقب ؛ خاصة إذا ما اقترنت بخطة تنفيذية لنقل الصراع داخل إيران ،وشدد على أن أحد العناصر المهمة في إخفاق المؤسسات الرسمية العربية لوضع خطة قابلة للتطبيق لاحتواء الخطر الإيراني هو غياب تقديم خطة المواجهة مع إيران على الخصومات الداخلية ، ووجود قوى متنفذة تتخندق خلف عدم التصعيد مع إيران ، ودور لوبيات المال والسلاح والسلطة العربية عموماً ، والخليجية خصوصاً ، والمستفيدة من بقاء عجلة الصراع ماضية لجني المليارات من العمولات جراء صفقات السلاح ، وبقاء الشعوب المغلوبة على أمرها في حالة تهيئة وتعبئة دائمة تجاه العدو الخارجي " إيران " ، دون خطة عمل داخلية وخارجية لمواجهتها .
أما مشاريع مواجهة إيران المدعومة شعبياً فتبقى تحت عنوان يافطة" حملة أبشر" التي يبادرك بها أي فاعل خير تقابله ؛ لأن تدوير المال لصالح أي مشروع حتى ولو كان بحثياً يجب أن يمر من تحت عباءة المسئول العربي الذي يصطاف الآن في الريفيرا بصحبة عشرات الحواري ، والذي لن يسمح بالمطلق لأي جهة أهليه بتنفيذ أي مشروع علمي لتوضيح صورة إيران ، وبقاء حالة المواجهة مع إيران ضمن حلقة الصراع السني والشيعي وهو ما دعا إلى سخرية الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني عندما قال :" العرب لا يفهمون إيران ؛ لأنهم مشغولون جداً بتكفيرنا " ، وأكاد أجزم- من خلال تجربتي الشخصية - أن هذا الأمر هو من أهم أهداف مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني ، لأنها غير معنية ببناء مؤسسات بحثية قوية ومتخصصة قادرة على رصد إيران وتحليلها بعمق ، ورفد صانع القرار السياسي والأمني بمعلومات رصينة يستطيع البناء عليها ؛ فالدول العربية لا سيما الخليجية ما زالت تعتمد بدرجة كبيرة في ذلك على المؤسسات الاستخبارية الغربية لفهم إيران ، وبناء القرارات الرسمية وفق تسريبات ما تجود به هذه الأجهزة عليها ، حسب ما ذكره لي محدثي .
من هنا فإن تسخير الجهود ليبقى الفهم العربي ضمن حلقة الصراع المذهبي فقط أو من خلال الاستمرار في تدوير المعلومات غير المبنية على تحولات الواقع الداخلي الإيراني ، وقراءته بعمق ، تعتبر من الأمور الخطيرة ، سيما وأن الهدف الرسمي من وراء بقاء دائرة فهم إيران ضمن ما سبق ، جزء منه لكسب ود بعض الدعاة المستفيدين اقتصاديا وسياسياً من بقائه ضمن هذا المحور ، حفاظاً على مصالح الربع والسادة .
في الختام لا بد من وجوب اتخاذ خطوات عملية لردع إيران عن غطرستها، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها خامنئي وزبانيته ، لردعه عن ممارساته الإجرامية على امتداد الساحة العربية ؛ وضرورة الاجتماع على موقف واحد، والخروج من حالة الانقسام التي تعاني منها الدول العربية ، والسعي للوصول إلى آلية عمل مشتركة مهمتها اتخاذ الخطوات الجدية والمناسبة لمجابهة إيران ، بدون انتظار الدعم من النظام الرسمي العربي الغارق في سُبات عميق .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 683