حقد عربي

معمر حبار

[email protected]

اضطر للهجرة بجلده إلى فرنسا سنة 1993، خشية أن يلحقه أذى من المصائب والأهوال، التي حدثت في تلك الأيام. ومن يومها لم يلتقيا، إلا في حالات خاطفة، تكاد لاتذكر .

وفي الأسبوع الماضي، اعترضه في وسط الطريق، خشية أن لايلتقيا، ليوجه له دعوة لحضور الوليمة، التي سيقيمها لأجل زواج ابنه.

فرح كثيرا بهذه الدعوة، واستعد لها، حتى جاء اليوم المذكور، فلبى الدعوة وكان من المدعوين.

كانت الدعوة فرصة ، للقاء وجوها لم يرها منذ تسعينات من القرن الماضي، ففتحوا معا باب الزمن، واستخرجوا منه السعيد منه، فمن الأدب أن يحترم الضيف، المناسبة التي جاء لأجلها، ودعي لها. ومناسبة الزواج، تستدعي قول الحسن من الكلام، واللين من الأفعال، حتى لو كان ألما بالداخل، وجرحا ينزف.

وبما أن صاحب الدعوة يعمل سائق سيارة أجرة في باريس، راح يتحدّث عن مهنته وما يلاقيه من محاسن ومحن في سبيل ضمان قوت عيشه، وعيش أهله وأبناءه، ومنها سرده لهذه القصة ..

كان سائق سيارة أجرة جزائري، أوتي جمال الصورة، وحسن النطق باللغة الفرنسية، فأعجب أحد أثرياء العرب في باريس، فطلب منه أن يقوم بنقل زوجته حيث شاءت وأرادت، في قضاء حوائجها، وشراء اللوازم التي تريد. ويعترف صاحب سيارة الأجرة، أن العربي الثري، كان يغدق عليه بالأموال، ويعطيه أكثر مما يستحق عمله.

وذات يوم، وبالصدفة رآه يرحب بأحد الجزائريين، وهو الذي كان يعتقد أنه فرنسي، لما أوتي من بشرة بيضاء، وشعر أصفر، وإتقانا للغة الفرنسية.

 سأله الثري، هل أنت عربي؟. أجابه الجزائري، نعم أنا جزائري . ومن تلك اللحظة، قرّر العربي الثري، الاستغناء عن خدماته، رغم أنه ظل يمتدح السائق، طيلة تلك الفترة.

وفي اليوم الثاني، قال أحد الجلساء، وهو يتحدث عن زميل، انقطع عن السمع والبصر، منذ 3 عقود، فقال ..

كنت أعمل بإحدى الشركات العالمية، بإحدى الدول العربية الثرية جدا، وكنت أتصدر الفوج، باعتباري أتقن اللغة الانجليزية جيدا، وأتحدث بها بطلاقة، دون اللكنة الجزائرية، بالإضافة إلى تمكّنه من اللغة الفرنسية والعربية.

وكان حديثي كلّه باللغة الانجليزية، فعوملت معاملة الأمراء، واستبقلت بحفاوة لانظير لها، واستضافتني وسائل الإعلام التابعة للدولة الثرية جدا، واستمر الوضع على هذه الحال، ردحا من الزمن.

ويشاء ربك، أن أتحدث يوما اللغة العربية بطلاقة، فعلموا أني جزائري عربي، فأداروا الظهر، وتنكروا لمكانتي، وعاملوني بأسوء الطرق، ومن يومها لم أذق طعم الراحة، ولا السلامة ولا الأمان.

إنها عيّنات من المجتمع العربي، تبيّن بوضوح، كيف ينظر العربي لأخيه العربي. وكيف التعامل مع كل من ينطق الضاد، سواء في المهجر أو في دولته الأصلية العربية.