ضياع العلماء.. ضياع للأمة (الجزء الثالث والأخير)
تكلمنا في الجزئين السابقين..
على أن العلماء يتصفون بصفة فريدة.. وحيدة هي:
الخوف من الله تعالى.. مما تدفع الواحد منهم.. إلى أن يقف أمام الطاغوت.. كالليث الهصور.. آمراً له بتطبيق شرع الله.. دون خوف ولا وجل..
ولو أدى ذلك إلى سجنه.. أو إعدامه!!!
فإنه لا يبالي بذلك.. بل يستهزىء به.. ويسخر منه.. قائلاً:
كما قال سيد العلماء ( ابن تيمية ) رحمه الله:
( ماذا يريد مني أعدائي؟؟؟!!!
إن سجني.. لخلوة.. ونفي.. سياحة.. وقتلي.. شهادة )..
وذكرنا موضوع الشيخ ( أبي الفتح البيانوني ) ومعرفتي به منذ 43 سنة..
وأنه كان في قمة المعادين لنظام الأسد.. ثم سقوطه إلى أسفل السافلين.. بعد افتراقنا..
ليست لدي معلومات موثقة.. عن سبب سقوطه!!!
وإنما مجرد تكهنات.. وتخمينات!!!
1- قد يكون قد تعرض إلى تهديدات.. وإلى ضغوط كبيرة من قبل المخابرات.. أو تعذيب بعد عودته لسورية.. كونه أخ المراقب العام للإخوان ( علي )..
2- وجرى له غسيل دماغي.. وفكري.. وعقائدي كامل.. بحيث أصبح تابعاً.. ذليلاً.. مستسلماً.. بدون أي مقاومة.. بل أصبح في قمة المؤيدين للنظام..
3- وقد يكون لديه الإستعداد النفسي.. والفكري لمسايرة النظام.. وأن المظاهر السابقة لعداوته له.. لم تكن إلا للخداع.. والتضليل!!!
كما ورد في الحديث الشريف:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْعَبْدَ لِيَعْمَلُ - فِيمَا يَرَى النَّاسُ - بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . وَإِنَّهُ لِيَعْمَلُ - فِيمَا يَرَى النَّاسُ - بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ "
أيا كان السبب!!!
المهم.. أنه قد تحول تحولاً جذريا.. بمعدل 180 درجة!!!
وأرسل لي لي أسئلة إضافية.. على الأسئلة التي وردت في مقالتي ( أسئلة هامة وخطيرة جدا لمقاتلي سورية )..
ولكن قبل الإجابة على الأسئلة..
أود لفت الإنتباه:
أولاً: إلى أن المقاتلتين السابقتين.. قد وضعتا القاعدة الشرعية.. الراسخة.. الصلبة لطبيعة العالِم.. وعلاقته مع الحاكِم.. ووجوب الإنقلاب.. والثورة عليه.. حينما لا يحكم بشرع الله..
ثانياً: فيهما الجواب الشافي.. الوافي.. للأسئلة المطروحة بشكل كامل.. تقريباً..
ولكن من باب الإحترام.. والتقدير لشخص الشيخ الجليل.. فإني سأجيب عن كل سؤال على حده..
ثالثاً: يجب التفريق في احترام الإنسان بين ذاته.. وكينونته.. وبين فكره.. وعقيدته.. وسلوكه.. وتصرفه..
فحينما ينحرف إنسان ما عن الطريق الصحيح.. ويغير بأفكاره.. ومعتقداته..
فاننا لا نتخلى عن احترامنا لذاته.. ولكن نبغض.. ونكره.. ونرفض انحرافه..
فإن رجع يوماً ما.. عن شذوذه.. فيبقى له الإحترام.. ويزداد إلى ما كان عليه قبل الإنحراف..
رابعاً: فإني أتشكك أن يكون هو الذي كتبها.. لما تحمل من جهل شنيع.. وتفكير طفولي.. لا يمكن أن تصدر عن شخص أمي.. جاهل.. بسيط المعرفة بالدين.. فكيف بشخص أمضى عمره في التعلم والتعليم.. وفي جامعة الإمام في نجد.. المشهورة بنصاعة.. ووضوح الفكر الإسلامي الشرعي المبني على الكتاب والسنة..
وهذا من باب حسن الظن به.. وتقديره واحترامه عندي.. ولما أحمله في نفسي.. من وفاء العشرة الطويلة بيننا...
وإن كان هو فعلاً الذي كتبها – ولم تُملى عليه – فهذه إشارة خطيرة جداً.. على انسلاخه التام.. من عقيدته.. وفكره.. وعلمه الذي جمعه طوال حياته.. ونهايته خطيرة جداً.. إذا أصر على هذا الإنحراف.. وشرعنه.. بلوي آيات الله.. واستخدامها كسند شرعي لشذوذه.. وولائه للطاغوت..
وقد نبهنا الله تعالى بقوله:
( لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ...... )..
( وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ )..
( يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِ )...
الجواب على الأسئلة:
السؤال الأول: ( هل عرفتم أو سألتم عن حكم الشرع الإسلامي الحنيف في أصل حراككم هذا )!!
الجواب:
هو نفس الحكم الشرعي الذي قامت عليه ثورة حماة في 1979- 1982 وكنت حضرتك.. أحد زعمائها.. والمناصرين لها ( راجع الجزء الثاني )..
وأزيدك في تبيان الحكم الشرعي – وأنت غير جاهل له –
أن:
تولي الأسد الحكم ابتداءاً في 1970 كان مخالفاً للشرع.. وللقانون الذي هو وضعه..
والذي ينص في مواده الأولى على.. وجوب أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً..
وبما أنه غير مسلم.. فهو مخالف للشرع.. وللقانون المدني .. علاوة على أنه لا يحكم بشرع الله.. واستبدادي.. وديكتاتوري..
مما يستوجب إسقاطه.. في أقرب فرصة سانحة..
لقوله صلى الله عليه وسلم:
( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )..
وأحداث الدستور في 1971 ليست غائبة عنك.. والتي أدت إلى احتجاج بعض المشايخ والدعاة.. ومن ثم فرارهم من البلد.. وأظنك كنت أحدهم!!!
أليس كذلك؟؟؟!!!
وبالرغم من أن هذا الجواب.. يقطع أي تساؤلات أخرى.. ويجيب عليها..
بناء على:
القاعدة الفقهية ( لا ذنب بعد الكفر ) ..
ولكن مع ذلك..
واحتراما لك.. ووفاء للعشرة بيننا.. سأستمر في الإجابة على بقية الأسئلة...
السؤال الثاني: ( هل كان قرار تحرككم لإسقاط النظام في بلدكم، بدلا من العمل على إصلاحه شرعيا صادرا عن علمائكم وعقلائكم وأهل الحل والعقد فيكم !!؟ ).
الجواب:
الحراك تم بإلهام.. وتدبير.. وتخطيط الله تعالى.. ولم يكن لليد البشرية.. أي فضل.. أو أي تأثير..
وأطفال حوران الشجعان.. هم الذين بدأوا به.. بتوجيه الله تعالى.. ومشيئته.. !!!
وكان آباؤهم لا يريدون إلا.. استخراج أطفالهم من السجن.. وبعض الإصلاحات البسيطة.. ولكن المسؤول الطاغي.. المتجبر.. رفض!!!
وبالرغم من أن أعيان المحافظات جميعاً.. ذهبوا إلى رأس النظام.. فيما بعد.. وتكلموا معه في الوقت الذي.. كان يتساقط قتلى على يد جنوده..
ولكن لم يحدث أي تجاوب.. حتى أن بعض رموز عملائه ( حبش ونعسان الوزير السابق ) وغيرهما.. هربا من البلد.. مع أنهما شاركا في محاولة الإصلاح..
وكانت مقولتهم جميعاً واحدة..
أنه نظام فاسد.. لا يمكن إصلاحه البتة..
لأنه يعلم علم اليقين.. أن الإصلاح.. سيؤدي إلى زواله.. وإعدامه!!!
لأنه قائم على الفساد ..
وزوال الفساد هو زواله..
وشبهه أحدهم.. ببركة مملوءة نجاسة مغلظة.. ومخففة..
فلكي تتطهر البركة.. يجب نضح النجاسات منها.. ثم غسلها.. ووضع الماء الطاهر فيها..
وبالرغم.. من أن صب الماء على البركة المملوءة بالنجاسات.. لا يطهرها..
ولكن النظام.. كان يخشى.. إذا استمر صب الماء الطاهر عليها ( يعني إذا حصل شيء من الإصلاح ).. يمكن في يوم ما.. أن تزول النجاسات!!!
وهذا يعني.. زواله..
السؤال الثالث: ( هل سمعتم وأصغيتم إلى تحذير علمائكم الربانيين، والعقلاء والخبراء فيكم، وإلى نداءاتهم ونصحهم لكم قبل تحرككم، وبعد تورطكم !!؟ ).
الجواب:
نعم المشايخ الطيبون.. المخلصون.. وقفوا وقفة مشرفة.. وأيدوا هذه الثورة المباركة.. ودعموها.. حتى أن البوطي المعروف بتاريخه الأسود.. واستخذائه.. وولائه للأسد.. وإصداره الفتاوى المجانية مثل: حتمية دخول باسل الجنة!!!
ولكن.. حينما صحا شيء من ضميره.. وتكلم فيما لا يرضيهم.. قُتلوه فوراً..
السؤال الرابع: ( هل وقفتم على كلام الشيخ القرضاوي - غفر الله وأصلحه - في كتابه الجهاد - الذي يقرر فيه صراحة حرمة الخروج المسلح على الحكام إلا للقوات العسكرية حصرا، وبضوابطه
الشرعية إن احتيج إلى ذلك !!؟
أم اكتفيتم بفتاواه المتأخرة والحماسية الخاطئة التي تابع فيها عواطف الشباب الأغرار، وقرار جماعته وإخوانه، والتي خالفت صراحة النصوص الشرعية الثابتة، بل نصوص كتابه أيضا !!؟ ).
الجواب:
تم الإجابة عليه في السؤال الثاني.. بأنها كانت ثورة ربانية..
فهو القائد.. وهو الصانع.. وهو المخطط.. وهو الذي هدى الناس.. إلى الخروج من جحر العبودية.. والذل.. والتحرر من ربقة الإستبداد.. والظلم.. والسعي لإقامة شرع الله..
وهذا هو الهدف العظيم.. النبيل الذي لأجله..خُلق الإنسان..
( وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ )..
( شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ...).
ولذلك:
ليسوا بحاجة إلى فتاوى العبيد.. أيا كان مركزهم..
فالقرآن هو الدستور.. وهو منهج الحياة.. وكفى بربك هادياً.. ونصيراً..
السؤال الخامس:
( هل عرفتم بعد ذلك كله، وبعد وقوفكم على النتائج الوخيمة التي ترتبت على حراككم السبب في عدم نصر الله لكم، ففكرتم في التوبة والرجوع إلى الله، طلبا للمغفرة واللطف بكم وببلادكم !!؟؟ كما فعل كثير ممن وفقهم الله عز وجل إلى ذلك، الذين نسأل الله لهم أن يتقبل توبتهم، وأن يعفو عنهم... )..
الجواب:
كان المفروض فيك – يا شيخنا – إن كانت فيك ذرة من كرامة.. وعزة نفس.. وإباء.. وإيمان بالله واليوم الآخر.. وتجرد عن الهوى.. الذي أذلك.. وجعلك تركع للطاغوت..
أن تعكس السؤال.. وتقول:
لماذا النظام بجبروته.. وطغيانه.. ومناصرة دول العالم كلها له ( إيران.. والمليشيات الشيعية. . وروسيا.. وأمريكا.. وأوروبا.. واليهود ) لم ينتصروا على الشعب السوري المسكين. اليتيم حتى الآن.. بالرغم من ملايين أطنان المتفجرات التي ألقيت على شعبك.. وبلدك؟؟؟!!!
نعم...
الثورة.. انتصرت منذ سنوات عديدة.. منذ أن قرر حزب الشيطان.. وأخواته الدخول إلى سورية.. لإنقاذ النظام!!!
ولولا دخولهم لسقط النظام منذ أمد بعيد.. وهذا باعترافهم هم...
وانتصرت.. بإصرار الثوار.. واستبسالهم في مقاتلة المعتدين.. حتى تحرير البلاد من رجسهم..
وفي الختام...
سأطرح عليك سؤالاً واحداً..
ألا تستحي.. وأنت المسلم.. ومن عائلة مسلمة مشهورة.. ودرست الشريعة.. ودرستها لطلابك في الجامعات.. طوال 50 سنة.. وكنت علماً للهدى.. ومدافعاً عن حرمات المسلمين.. ومعادياً أشد العداوة للنظام.. وشاركت في الثورة الأولى..
ألا تشعر بالعار.. أن تصبح مدافعاً عن النظام.. ومؤيداً للكفار النصيرين.. والشيعة.. والروس.. وتبارك قتلهم لنساء.. وأطفال حلب.. وأنت من حلب؟؟؟!!!
كيف ستواجه الله تعالى يوم القيامة؟؟؟!!!
وماذا ستفعل.. بقوله تعالى:
( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ )..
تب إلى الله.. قبل أن يأتيك الموت بغتة..
وقبل أن يصل المجاهدون إليك.. فيحكمون عليك بالردة.. ويقطعوا عنقك!!!
فإني لك من الناصحين...
وسوم: العدد 693