عندما تجلد الضحية ذاتها
استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة في حرب حزيران 1967، وما يصاحب هذا الاحتلال من جرائم بحق الانسانيّة، أجبر الفلسطينيّين في غالبيّتهم على الحديث والاجتهاد السّياسيّ في تفسير القضايا والمستجدّات السّياسيّة، ولم يتركوا السّياسة للسّياسيّين، وهذا حقّ طبيعيّ لكل مواطن، لكنّ اللافت هو أنّ ثقافة الهزيمة تترسّخ عند البعض، فتنتشر الاشاعات الكاذبة، وتنتشر كالنّار في الهشيم وكأنّها حقائق لا تشوبها شائبة، وتنطلق قذائف الاتّهامات التّدميريّة، فنجد من ينعتون قيادات ورموزا بالخيانة بناء على إشاعات كاذبة، ويلاحظ هذا بقسوة محزنة من فلسطينيّين ومن عرب فلسطينيّي الهوى يقيمون في الخارج، ولا يعلمون إلا النزر اليسير عن طبيعة الأوضاع في الأراضي المحتلّة، فيبنون آراءهم على إشاعات كاذبة، ويلصقون تهمة الخيانة بهذا وذاك سواء كانوا أفردا أم تنظيمات! وهذا ما لا يقبله عقل عاقل.
وفي هذه الأيّام التي يخوض فيها الأسرى في سجون الاحتلال معركة الأمعاء الخاوية منذ 17 نيسان-ابريل- 2017، بقيادة مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح، والمجلس التّشريعي الفلسطينيّ المنتخب، نجد من يتّهم حركة فتح وقيادتها بالخيانة! علما أنّ حركة فتح هي العمود الفقري للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، ورائدة النّضال الفلسطينيّ، فلمصلحة من هذه الاتّهامات؟ ومن المستفيد منها؟ أم أنّ هناك من يستطيبون جلد الذّات؟ ومن المحزن أن نرى قراءات وتحليلات لأناس ومنهم أصحاب أقلام عندهم ما يقولونه، يكتبونها من باب التّضامن مع الأسرى المضربين عن الطّعام، ويكرّسون هذه المقالات لجلد الذّات، واتّهام القيادات ذات التّاريخ النّضاليّ الحافل بالخيانة! وفي نفس الوقت لا يكتبون شيئا عن بطش الاحتلال وممارساته اللا إنسانيّة بحق الأسرى وغير الأسرى، وفي المحصّلة فإنّهم لا يدركون أنّهم يجلدون الضّحيّة ويبرؤون المجرم. وإذا كانوا لا يدركون ذلك فإنّنا أمام مصيبة أكبر. وكثير منهم يتعاملون مع السّلطة الفلسطينيّة وكأنّها دولة مستقلّة ذات سيادة، فهل يعلمون أنّ مناطق السلطة والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة جميعها تحت سلطة الاحتلال؟ فلماذا لا تتوحّد الجهود لنصرة الأسرى المضربين عن الطّعام، ويعانون الألام المبرحة، ويتهدّدهم خطر الموت جوعا، دفاعا عن كرامتهم وكرامة وطنهم وشعبهم وأمّتهم؟
ويبدو أنّه من السّهل على "مناضلي المكاتب" أنّ ينظّروا على شعب يعاني الويلات تحت الاحتلال، فهل يصعب عليهم أن يفهموا الأمور على حقيقتها، وأنّ "أهل مكّة أدرى بشعابها"؟ أم أنّ الانجرار وراء الانتحار الذّاتيّ الذي يدّمر أوطانا ويعمل على تقسيمها ويقتل ويشرّد شعوبا، تحت شعارات "نشر الدّيموقراطيّة" و"رفع راية لا إله إلا الله" كما يجري في سوريّا، العراق، ليبيا، اليمن، سيناء المصريّة، قد أعمى القلوب والعقول؟
إنّ سياسة التّكفير والتّخوين، مرفوضة في كلّ المراحل، وهي مرفوضة بشكل أكبر في مرحلة التّحرر الوطنيّ. فهل ندرك ذلك؟
وسوم: العدد 718