بين يدي زيارة مقتدى الصدر للسعودية

محمد صالح الشمّري

في لقاء جمعني مع مجموعة من ثوار الأحواز (عربستان) يلفظها بعضهم: الأهواز بالهاء؛ وهو خطأ شائع تسرب إلى ألسنتنا من الأعاجم فلغاتهم لا تتضمن حرف (الحاء) فيستعيضون عنه بالهاء.. وهكذا تحولت الأحواز إلى (أهواز) فأتمنى أن تهزم حاؤنا (هاءهم)!

أعود فأقول: في لقاء جمعني مع ثلة مباركة من ثوار الأحواز سألتُهم: هل الشيعة العرب يقفون معكم في ثورتكم ضد الاستعمار الفارسي؟ أم أن شيعيتهم تجعلهم يتعاطفون مع الدولة الإيرانية الشيعية.. فكان جوابهم القاطع: إنهم يقفون معنا قلباً وقالباً.. بل إنه ليُصب عليهم من الحقد الفارسي أضعاف ما يُصب علينا نحن سنة الأحواز.. قفز إلى ذهني هذا الموضوع فور سماعي لخبر زيارة مقتدى الصدر إلى المملكة العربية السعودية (بدعوة رسمية) فقلتُ في نفسي: ليت قومي يستفيدون من هذه الثغرة التي قد لا تظهر لكثير من الناس على حقيقتها وعمقها بين (الشيعة الفرس) و (الشيعة العرب) فالقبائل العربية -كما هو معلوم- تتمتع بقيم و أعراف وتقاليد.. الخ يفتقر إليها بشدة المجتمع الفارسي الذي شاع عبر تاريخه  الكثير من المجون وزواج المحارم وغيرها من الموبقات؛ نقول إن  القيم النبيلة عند القبائل العربية (صبغت) تشيعهم بصبغتها الأصيلة فبدت، لمن يراقب من الداخل، متباينة بشكل ملموس عن التشيع الفارسي؛ إلا أن هذا التباين بين (الشيعتين) لم يتبلور بمواقف عملية على الأرض، وإنما بقي كامناً في النفوس محتبساً في الصدور ساهمت في تغييبه أكثر فأكثر بعض الأقلام المخلصة التي تهاجم الشيعة جملة، أتمنى أن لا يُفهم من كلامي أنه دعوة لمدح الشيعة والتشيع وإنما تهدف هذه المقالة إلى تحفيز من يهمه الأمر على الاستفادة من هذه الفجوة (أو الجفوة) بين الشيعة العرب والشيعة الفرس وعلى الرغم من وجود هذه الفجوة إلا أن الناس بطبيعتهم يسيرون على نهج: (أنا وأخي على ابن عمي؛ وأنا وابن عمي على الغريب..) ففي نشوة انتصار المذهب الشيعي بدعم من الغزو الأمريكي للعراق تم حجب تلك التباينات غير القليلة بين هاتين الشيعتين, أما وقد راحت السكرة وجاءت الفكرة- كما يقول المثل- فأن هذه التباينات قد طفت على السطح وحركت ما كان كامناً وأيقظت ما كان نائماً فاستشعر الشيعة العرب خطر الهيمنة الفارسية الطاغية وتعاملها باستعلاء وقح مع الشيعة العرب والنظر إليهم بدونية صادمة جعلتهم يرون أن أخاهم هو الشيعي العربي وان ابن عمهم هو الشيعي الفارسي!! بل أكثر من ذلك فإنه حتى السيستاني نفسه!! مهما استغربت عزيزي القارئ- بدأ يستشعر خطر الهيمنة الطاغية لإيران على (ملعبه) العراقي، وأن التمدد الإيراني يزحف و يتمدد على حساب نفوذه هو في الوسط الشيعي العراقي، وأن كلمته لم تعد هي (العليا) في هذا الوسط وأن الكلمة الإيرانية فوق كلمته وفوق فتاويه!!

غني عن البيان أن هذا (الاستياء) من الهيمنة الإيرانية المطلقة على شيعة العراق لم تصل إلى السيستاني إلا وقد مرت بمن هو دونه من مثل: العبادي ومقتدى الصدر وعمار الحكيم.. الخ فالعبادي على سبيل المثال لا الحصر يشعر بل ويتيقن بأن سلطانه في العراق هو من وزن الريشة إذا تناقض مع الرغبة الإيرانية أو إذا نافس هذه الرغبة.. ناهيك عن مقتدى الصدر وعمار الحكيم اللذين يعتبران نفسيهما الممثلين الشرعيين والتاريخيين للشيعة العرب وقد توارثوا ذلك كابراً عن كابر..

الخلاصة: أن زيارة مقتدى الصدر إلى السعودية ينبغي أن تكون مدخلاً بالغ الأهمية للبدء في تخليص عراق المثنى بن حارثة الشيباني وعراق القادسية وذي قار.. الخ من البراثن الإيرانية التي انشبت أظفارها في الجسد العراقي المثخن.. من هذه الهيمنة المتعجرفة الفاسدة المفسدة.. ولا يظنن أحدٌ أن الأمر سهل وميسور؛ فإن إيران بذلت الغالي والنفيس من الجهد والمال والرجال حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في العراق وغيرها وأن (كنسها) لن يتم إلا بمثل ما بذلت من الجهد الجهيد وذلك لا يندرج في باب النافلة بل هو فرض عين على كل مقتدر على الإسهام في هذا الهدف النبيل و الجليل.. وان التسليم لإيران بما اغتصبته حتى الآن يماثل- حذو النعل بالنعل، ما صنعه الصفويون في إيران التي كانت سنية فأحالها سكوت أهل الحق والنخوة إلى ما ترون اليوم.. الأمر الذي يفتح الأبواب لإيران على مصاريعها للاستيلاء على بقية العواصم العربية بل إن عينها وعيون ميليشياتها المتوحشة على الكعبة المشرفة.. وهم كما ترون يوجهون صواريخهم من صنعاء إلى بيت الله الحرام.. وكما يقول المثل: (قالوا لفرعون مَن فرعنك قال لم أجد أحداً يردني)! فلا بد من المبادرة إلى البدء بتخليص الرافدين من الأنياب الفارسية ولا بد من قرع الأجراس بقوة حتى يتنبه من يهمه الأمر للمبادرة والعمل الجاد وأخذ الكتاب بقوة فلا عذر لمعتذر وقد لاحت فرصه وفُتح الباب ولو مواربة! بالقعود ولا يستهينن أحدٌ بأي جهد مهما قل أو صغر.. ولا مجال أيضاً للاعتماد على الحكومات وحدها فإن في جهد الرجال والمنظمات والأحزاب ما يسهم في بتر اليد الآثمة التي تمسك بتلابيب بلاد الرافدين.. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..  

وسوم: العدد 732