تجاسر الغرب على الإسلام والدعم اللامشروع واللامشروط للاحتلال الصهيوني هما السبب الرئيس وراء تنامي ظاهرة العنف الأعمى والإرهاب
إن تكرار عملية دهس المدنيين في عدة أقطار، والتي كان آخرها في إقليم كاتلونيا الاسباني يكشف عن تطور مفاجىء في عمليات العنف الأعمى ، هذا العنف الذي أصبح ظاهرة خطيرة تهدد كل أقطار العالم التي لم تعد آمنة من امتداده ووصوله إليها . ويبدو أنه لا وجود لمحاولات جادة لحد الساعة في دول العالم خصوصا العالم الغربي لاستيعاب هذه الظاهرة الخطيرة بشكل جدي والبحث في أسبابها المباشرة وفي طرق علاجها . والملاحظ أنه كلما وقعت حادثة عنف أعمى سارعت العصابات الإجرامية المعروفة اختصارا بداعش إلى تبنيها ،علما بأن جهات غربية أكدت أن هذه العصابات هي صناعة مخابراتية غربية الهدف منها هو ضرب عصفورين بحجر كما يقال، وذلك من خلال إلصاق تهمة العنف الأعمى بالدين الإسلامي كدين انطلاقا من جرائم تلك العصابات ، هذا من جهة ،ومن جهة ثانية التمويه على الأغراض الحقيقية وغير المعلنة من تورط أقطار غربية في الوطن العربي وتحديدا في بؤر التوتر التي تعرف صراعات دامية . فهذه العصابات الإجرامية توفر لكل المتورطين في تلك الصراعات الدامية الذرائع للتدخل في بؤر التوتر ، والتدخل حتى خارج تلك البؤر بحجة أن آثار العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا ستمتد في كل أقطار الوطن العربي وباقي أقطار العالم . ولحد الساعة لم يلتفت إلى آراء أهل الفكر والمعرفة في ظاهرة العنف الأعمى ،ولم يدع هؤلاء من طرف السياسيين للمشاركة في دراستها وتحليلها واقتراح سبل مواجهتها . فما يوجد اليوم لمواجهة هذه الظاهرة الآفة هو ما يسمى بالمقاربة الأمنية في غياب مقاربات أخرى موازية ، والتي قد تكون ذات فعالية أكثر من المقاربة الأمنية التي لم تنجح لحد الساعة في استئصال شأفة العنف الأعمى الذي هو في اطراد متزايد . ومن المعلوم أن العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا كما صرحت بذلك أو لمحت جهات بما فيها الغربية تستدرج الأغرار من الشباب المحسوب على الدين الإسلامي للانخراط في العنف الأعمى تحت تبريرات دينية من قبيل القيام بفريضة الجهاد . وكثيرا ما يثير الذين يناقشون انخراط الشباب المسلم في العنف الأعمى على موائد تنقلها الفضائيات أن هؤلاء الشباب يغريهم الرحيل عن طريق العمليات الانتحارية إلى العالم الآخر من أجل الفوز بالحور العين كما يمنيهم بذلك تجار العنف استخفافا بعقولهم ، وعزفا على أوطارطاقاتهم الجنسية المكبوتة . ومن المؤكد أن ضحايا منظري العنف الأعمى من الشباب المغرر بهم لا يدركون حقيقة العبث بهم وبعواطفهم الدينية إن كانت لهم حقا عواطف دينية وتوظيفهم لممارسة هذا العنف الأعمى . ولا يخلو أن تكون وراء انخراط هذا الشباب المغرر بهم إغراءات أخرى غير تلك التي تذكرها موائد الفضائيات، والتي قد تكون متعا دنيوية محضة ومحض ارتزاق . وكما أن العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا توفر الذرائع للمتورطين في بؤر التوتر للتدخل فيها بشكل أو بآخر فإن هؤلاء المتورطين بدورهم يعطونها الذرائع لتبرير ممارسة عنفها الأعمى . وما دامت تلك العصابات تدعي الانتماء إلى دين الإسلام مع أنه يتبرأ من جرائمها وفظائعها ،فإنها تغتنم كل فرصة تتاح لها حين يستهدف الإسلام وقيمه بشكل أو بآخر لتمارس عنفها بشراسة لا هوادة فيها . ومعلوم أن الحضارة الغربية تريد فرض نفسها وفرض قيمها المادية والعلمانية والليبرالية في عالم اليوم ،وتنحو نحو عولمة تلك القيم ،وهي عولمة تهدف إلى ابتلاع الثقافة الغربية مختلف الثقافات . ولقد صارت الأوساط الغربية الصانعة للقرار تتحدث عن صيغ للإسلام وقيمه تناسب أو تخضع للقيم الغربية ، وتعتبر تلك الصيغ هي البدائل عن غيرها من الصيغ التي تعكسها نماذج الإسلام العنيف حسب تعبير الغرب . وتحرص تلك الأوساط الغربية على الفصل بين الإسلام والسياسة كما تنص على ذلك علمانيتها ، لهذا صار ما تسميه تلك الأوساط الغربية إسلاما سياسيا في قفص الاتهام ويحارب حتى أن هيئات وأحزاب إسلامية سلكت سبل الديمقراطية التي يرفع شعارها الغرب صارت تتهم بتهم العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا كما هو الشأن بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزبها الحرية والعدالة الذي فاز في الانتخابات بطريقة ديمقراطية وشرعية فأطيح به عن طريق انقلاب عسكري صارخ زكاه الغرب وسكت عنه ، وهو ما لم يكن يحدث حين تتم الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة المنتخبة ديمقراطيا . ولقد تنكر الغرب للديمقراطية لما أوصلت إلى مراكز صنع القرار الأحزاب الإسلامية كحزب الحرية والعدالة المصري وغيره . وسكوت الغرب عن الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر يقوي فكرة وقوفه وراء صناعة العصابات الإجرامية كما صنع الانقلاب من أجل الإجهاز على الإسلام من جهة ومن جهة أخرى الاجهاز على الأحزاب الإسلامية التي كشف الربيع العربي أن الشعوب العربية راهنت عليها بعد فقدان ثقتها في الأحزاب الليبرالية التي تنهج النهج الليبرالي الغربي أو تحاكيه بغض الطرف عن نوع المحاكاة . ومن المؤكد أن أقصر طريق لقطع الطريق على العنف الأعمى هو ضرورة مراجعة الغرب لموقفه من دين الإسلام ، وقبول قيمه كقيم تتقاسم الوجود في هذا العالم مع القيم العلمانية والليبرالية . وقبول الغرب للإسلام لا يعني إضفاء النعوت عليه من قبيل الإسلام الليبرالي أو الحداثي أو الديمقراطي أو السلمي أو المعتدل في مقابل الإسلام المتطرف والعنيف وما شاكل ذلك من النعوت القدحية . إن الإسلام هو الدين كما أراده الله عز وجل وكما رضيه للمسلمين لا مبرر للحديث عن التطرف أو الاعتدال فيه ومرجعيته النصية واضحة ومعروفة ولا تقبل المماحكة . ونعت الاعتدال أو التطرف الذي يلصق بالإسلام إنما هو تعبير عن مصالح الذين ينعتونه بتلك النعوت وليس غير . فالإسلام إذا خضع للقيم الغربية الليبرالية والعلمانية كان من وجهة نظر الغربيين معتدلا ومقبولا ، وإن لم يخضع لها كان متطرفا ومرفوضا مع أنه دين واحد . ولا شك أن النعوت التي ينعت بها الإسلام سواء كانت قدحية أم مدحية إنما هي نعوت تنسحب في الحقيقة على أنواع الممارسات لهذا الدين وهي من وضع المتعاملين مع تلك الممارسات وفق مصالحهم . ومقياس التطرف والاعتدال ليس مقياسا منزها لا ياتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه . ويتعين على الغرب إن كان فعل يروم وضع حد للعنف الأعمى التخلي عن فكرة العولمة التي تروم من خلالها الثقافة الغربية ابتلاع غيرها من الثقافات ومن بينها الثقافة الإسلامية التي سادت في العالم لقرون دون أن تنادي بعولمة نفسها كما تنادي بذلك الثقافة الغربية اليوم .
ومما يجدر بالغرب فعله أيضا لوضع حد للعنف الأعمى وضع حد لمظلمة الشعب الفلسطيني ،علما بأن الغرب هو المسؤول أخلاقيا عن خلق الكيان الصهيوني وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه لتهودها ولتصير وطنا لليهود الذين لم يكن لهم وطن عبر التاريخ . وعلى الغرب أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية لهذه المظلمة الشنيعة التي كانت سببا مباشرا وراء المآسي والجرائم التي وقعت وتقع في منطقة الشرق الوسط وباقي مناطق العالم والتي راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء . ومعلوم أن الممارسين للعنف الأعمى يتخذون من هذه المظلمة ذريعة لإضفاء الشرعية على جرائمهم ضد الأبرياء، وهم بذلك يشوهون الدين الإسلامي من جهة ، ومن جهة أخرى يسيئون إلى المقاومة الفلسطينية المشروعة التي صار الغرب ينعتها بالإرهاب متجاهلا حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه وحريته وحقوقه الضائعة .
وإن اعتماد الغرب نظرة جديدة نحو دين الإسلام ونحو حقوق الأمة الإسلامية في ممارسة ثقافتها الخاصة ،وتغيير نمط التعامل معها كفيل بوضع حد للعنف الأعمى الذي صارت له أشكال فظيعة من قبيل الدهس ، وهي أشكال لا يمكن للمقاربات الأمنية أن تضع حدا لها بل ستزيد من ضراوتها وتعطي المزيد من الذرائع لممارسة هذا العنف الأعمى . وإن استعداء شعوب العالم على الإسلام وعلى المسلمين ظلما وعدوانا يصب في اتجاه دعم وتقوية العصابات الإجرامية الممارسة للعنف العمى . فمتى سيكون الغرب جادا في معالجة ظاهرة انتشار وتفشي العنف الأعمى والإرهاب في هذا العالم ؟
وسوم: العدد 734