حول بيان جماعة الإخوان المسلمين (تأكيدات .. وإعلان مواقف)

أثار البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين منذ أيام موجة من التفاعلات . حملت بعض هذه التفاعلات موقف إدانة مسبق ، بحيث تستطيع أن تزعم أن كتابها لم يقرؤوا البيان أصلا ، وإنما زيلوا كلاما كُتب لهم من قبل آخرين بتوقيعاتهم . حيث تجد في أكثر من مقال عبارات وأفكارا مكرورة من تلك التي لا يمكن أن يقال فيها ( لعلها من توارد الخاطر ، وقد يقع الحافر على الحافر ) .

بينما تفاعل أفاضل آخرون مع البيان ، معبرين عن رؤية سياسية وفكرية لأصحابها . لا يستطيع المنصف إلا أن يحترمهم ويحترم ما كتبوا وإن اختلف معهم ، وأن يصغي إليهم بعقل وقلب ، فالخطب الذي تعيشه أمتنا كبير ، وهو يحتاج إلى نخبة من الصادقين المتعاونين المتعاضدين.

ولقد دارت أفكار  المحاورين أو انتقادات المنتقدين  للبيان حول قضايا رئيسية أهمها : توقيت إصدار البيان – دور الجماعة في الحراك السياسي والثوري – المرجعية الإسلامية التي يتمسك بها الإخوان المسلمون – جديد بيان الجماعة بالنسبة لما سبق أن أصدرته .

ودون أن نتوقف عند أحاديث الذين ذهبوا في ملتويات توجيه اتهامات خائبة للجماعة ، نعود لنناقش الإثارات الأهم حول بيان الجماعة ..

يتساءلون عن سر التوقيت ..

 وكأن سيمفونية الاتهامات المتكررة التي ترعاها دول وتغذيها أجهزة مخابرات وحدها غير كافية لتخرج الجماعة بين الفينة والأخرى على جماهيرها وجماهير شعبنا وأمتنا تصدع أمامهم بالحقيقة التي يكاد يطمسها ركام الزائفين والمزورين ..

يتساءلون عن سر التوقيت ..

وكأن انفضاح مسرحية المتطرفين العدمين الذين صنعوا خصيصا للالتفاف على مطالب الشعب السوري ، لا يستحق موقفا مؤكدا على براءة المشروع الإسلامي المعاصر ، الذي تشترك جماعتنا في حمل عبئه ، من فقه المتطرفين ، ومن إرهاب الإرهابيين ..

يتساءلون عن سر التوقيت

 وكأن مشروع تقسيم المقسم ، في سورية والعراق ، والذي أصبح مشروعا ترعاه دول كبرى ، ليس توقيتا يستحق من مثل جماعة الإخوان المسلمين ، أن تخرج على الناس لتعلن تمسكها بوحدة سورية ( الهوية ) بمعنى أنها ضد التغيير الديموغرافي الذي يرعاه أصحاب فكرة (المجتمع المتجانس)، كما انها ضد التقسيم الجغرافي الذي تدعمه دول عظمى ، وأنها مع سورية الدولة الوطنية الموحدة بمجتمعها المدني الموحد ..

يتساءلون عن التوقيت ..

 وكأن ما تفوه به ديمستورا عن واقعية ينتظرها من المغلوب ، لا يستحق موقفا من جماعة في ثقل جماعة الإخوان للمسلمين تنبهه إلى حقيقة أن الحل السياسي أصلا لا يقوم على قاعدة الغالب والمغلوب . وأن في سورية  شعبا لا يزال يمتلك إرادة الحياة وأن هذا الشعب لن يذل ولن يهون ..

إذن ليس تذكيرا بنفسها كما زعم بعضهم ، أقدمت جماعة الإخوان المسلمين على إصدار هذا البيان ، وإنّ تساؤل المواطن السوري دائما عن موقفها ودورها ، وإن جاء أحيانا بصيغة الانتقاد السلبي ، لهو تعبير غير مباشر عن مكانة هذه الجماعة ، والثقة الكبيرة التي تحظى بها في أوساط السوريين . وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .

أما دور الجماعة في الحراكين الثوري والسياسي ..

فمن حق أن نذكر ونذكّر أن الأمل الذي عقده الكثير من السوريين على هذه الجماعة كان كبيرا . بل كان أكبر من طاقتها وإمكاناتها . ولاسيما حين نذكر أن حديثنا عن (جماعة) ظلت مهاجرة متفرقة في البلاد على مدى عقود .

ومن حق أن نذكّر أن الظرف الذي عاشته الجماعة منذ انطلاقة هذه الثورة ، ظل محكوما بالقرار الدولي ، المنسق مع القرار الأسدي ، بعزل هذه الجماعة والتضييق عليها . ولولا أن الشكوى لا تليق بالكريم ، لفتحنا كثيرا من الملفات الدولية والإقليمية ، وما عانته وتعانيه جماعتنا على كل المستويات . ولكن كان وما زال الصبر بالحر أولى وأجمل ..

لقد تيقنت جماعتنا أنها لن تجد الإمكانات المادية واللوجستية المساعدة لتحمل مسئولية ريادة الثورة ، فقررت منذ البداية أن تكون داعما إيجابيا مباشرا على المستويين السياسي والثوري.

ولا حقيقة لكل الإشاعات السوداء التي يطلقها البعض عن أن الجماعة حاولت أو تحاول أن تستحوذ أو أن تهيمن أو أن تسيطر .. بل قررت منذ اللحظة الأولى أن تكون داعما إيجابيا ( للمنتظم السياسي الوطني ) وللقوى الثورية المعتدلة ، التي تعي معنى المشروع الوطني والدولة المدنية والمجتمع المدني ..

يخطئ من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين  لم تكن تدرك  معنى الانقلاب على المجلس الوطني ، ولا ما معنى الانقلاب  على الائتلاف الوطني ، وكان بوسعها دائما أن تنأى بنفسها ، ومع ذلك فقد ظل قرارها أن تبقى إلى جانب الرجال الشرفاء الذين ظلوا يحاولون أن ينجزوا حلا إيجابيا للناس ..

يخطئ من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن  تعي جيدا ماذا يعني ( رواغ المنصات ) ، وحقيقة ما يريده من ورائه الروسي والإيراني والأسدي والدولي ، وكان الأيسر عليها ، أن تدير ظهرها مبكرا للعبة الدولية المكشوفة ، ولكن لم تشأ جماعتنا أن تكشف ظهر الشرفاء من المعارضين الذين كانوا وما زالوا يحاولون ..

أما الحديث الذي أكثر بعض الأفاضل الدوران حوله والمتعلق بتمسك جماعة الإخوان المسلمين بالمرجعية الإسلامية للدولة المدنية , الدولة المدنية التي تتقدم بها جماعتنا كمقابل موضوعي للدولة الثيوقراطية الكهنوتية ، وكبديل ملتزم لحالة الانفلات القيمي والأخلاقي في الدولة الفردية يسوسها المزاج والهوى . إن جماعتنا من عمقها الضارب في المجتمع السورية تتقدم بمشروعها عن الدولة المدنية بمرجعيتها الإسلامية في مواجهة مشروعين مناقضين ؛ الأول مشروع عدمي ماضوي منغلق ومتطرف مثله من قريب المشروع الداعشي المتطرف بأفقه العدمي والعقيم . والثاني مشروع العلمانية المنفلت ، الذي يترك لأمزجة البشر أن تتحكم في القيم الإنسانية الكبرى . وأمام هذين الأنموذجين ، تتقدم جماعتنا بمشروعها للإنسان السوري ، ليحسم خياره عبر صندوق اقتراع ، نحلم أن يكون حرا ونزيها وقاصدا .

لم تنجح جماعتنا في مطلع الخمسينات من القرن الماضي في إدخال مادة عن دين الدولة إلى الدستور ، فلم تعلن النفير ولا الحرب ، ولم تصرخ  ( نحن أو نحرق البلد) كما يفعل من يسمونهم الديمقراطيون والعلمانيون في هذه الأيام ..

في إطار حديثنا عن مرجعيتنا الإسلامية

نتقدم بمشروعنا إلى شعبنا فإن نجح فمن حق أن يجد مكانه على الأجندة الوطنية ، وإن لا ..فمن واجبنا أن نعود إلى شعبنا بالشرح والتوضيح والإقناع ..

أليست هذه هي الديمقراطية ..

أم أن الديمقراطية أن نتقمص قمص الآخرين ، كما يريد بشار الأسد أن ينسلخ كل سوري في مسلاخه ، وإلا فهو عميل وخائن وإرهابي ..؟!

أما الجديد والأهم الذي أرادته جماعة الإخوان المسلمين من هذا البيان ، فهو أنها لن تسترسل مع أي حل يفرض على محادثات جنيف ، على قاعدة الغالب والمغلوب ، كما صرح به السيد ديمستورا ..

فتعلن جماعة الإخوان المسلمين استباقا أنها لن تقبل بأي حل لا يحترم وحدة سورية أرضا وشعبا ، ولن توقع على أي حل لا يضمن للشعب السوري ، كل الشعب السوري ، الحياة العزيزة الكريمة ، ويقود كل الذين ارتكبوا الجرائم بحق هذا الشعب إلى ساحة القضاء العادل النزيه . وبعبارة أكثر وضوحا لن تقبل جماعتنا بأي حل لا يسوق بشار الأسد وزبانيته إلى ساحة القضاء . تعلن جماعة الإخوان المسلمين هذا وتدعو كل الأحرار والشرفاء السوريين للثبات والتعاون عليه ، ولعل هذا هو لب هذه الدعوة وغايتها.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 738