سياسة الأفراد والشعوب .. والسفن الثلاث !
1) سفينة نوح : للنجاة من الطوفان ، نجاة الأفراد ضمن تجمّع عام ، يفرّ من الموت المحتّم ، الذي يجلبه الطوفان ! وواضح أن الناجين هنا ، هم أتباع النبيّ ومصدّقوه، ولو كانوا قلّة !
2) سفينة الخضر وموسى (سفينة الحكمة) : التي كانت لمساكين يعملون في البحر، فأمر الله الخضر أن يخرقها في عرض البحر، لتنجو من مصادرة ملِك ظالم ، يأخذ كل سفينة غصباً ! وأراد الخضر، بأمر من الله ، أن يعلّـم موسى درساً في الحكمة ، ومضمونه : أنْ ليس كل ما يراه المرء صواباً أو خيراً ، هو صواب أو خير ، بالضرورة ! وليس كل ما يراه خطأ أو شراً ، هو خطأ أو شرّ ، بالضرورة ! فقد يكون الصواب هو ما يراه الناس خطأ ، والخطأ هو ما يراه الناس صواباً ! وكذا الأمر، فيما يتعلق بالخير والشرّ ! وهذا عائد إلى الحكمة الربّانية ، التي لا يظهر الكثير منها للبشر( وعسى أن تَكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).
3) سفينة المجتمع المتماسك المنظّم : وهي السفينة التي وردت في الحديث النبوي : مَثل القائمِ على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثَـل قوم استَهموا على سفينة ، فأصاب بعضُهم أعلاها ، وبعضهم أسفلَها . فكان الذين في أسفلها ، إذا استقَوا مِن الماء مرّوا على مَن فوقهم . فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ، ولمْ نؤذِ مَن فوقنا . فإذا تركوهم وما أرادوا ، هلكوا وهلكوا جميعا .. وإذا أخذوا على أيديهم ، نجَوا ، ونجَوا جميعاً !
ما صلة هذا كله ، بسياسة الأفراد والشعوب :
* سفينة النجاة : إن الفرد يحتاج إلى من يثق به ، ويطمئن إليه ، حتى يسلمه مصيره، ويركب في سفينته ، لينجو بحياته من الأخطار ، بسائر أنواعها ، بما فيها ظلم السلطات الحاكمة ! وليس بالضرورة أن يكون الشخص ، صاحبُ السفينة ، نبياً ! كما ليس بالضرورة ، أن تكون السفينة مادّية ، من خشب أو نحوه .. بل الجانب المعنوي الرمزي ، هنا ، هو الأصل !
* سفينة الحكمة :
ـ الأصل في المجتمعات البشرية ، أن تتصرّف وفق سنن الحياة التي تَحكمها ، آخذةً بالأسباب ، متوقّعة النتائج المترتّبة عليها . وهذا ما فعله موسى حين أنكَرعلى الخضر خرقَ السفينة ، وعدّ ذلك شيئاً عظيماً ، برغم أنه صحِبَه ليتعلم منه :( قال أخَرقتَها لتُغرقَ أهلَها لقد جئتَ شيئاً إمْراً)، فهو نبيّ أوحيَ إليه بشريعة ، فيها قواعد وأحكام وضوابط ! وهذا هو الأصل في السلوك الإنساني عامّة !
ـ الأمور التي يراها الإنسان أمامه ، ولا يدري ما ذا وراءها من الحكمة ، يكِل أمرَها إلى الله ، ويردّد الآية الكريمة : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) .. ففي هذا راحة للنفس ، التي يقلِقها ما تراه من قسوة وظلم وجور، ولا تستطيع أن تفعل شيئاً تجاهه ! وفي هذا التسليم لحكمة الله ، خير كبير في الدنيا والآخرة .. لأنه في الدنيا يَصرف عن الإنسان الإحساس باليأس ، ويدفعه إلى متابعة نشاطه ، واستنفار أقصى ما لديه من طاقات ، ذهنية وبدنية ، للتغلّب على العقبات التي أمامه ، والتي تحول بينه وبين الوصول إلى أهدافه ، النبيلة العليا ، الفردية أو الجماعية ! وفي الآخرة ، ينال الفرد المؤمن ، ثواب التسليم لله ، والتوكّل عليه !
* سفينة المجتمع المتماسك المنظّم :
وهي الرمز الذي يختزن سنن العلاقات الاجتماعية ، وحياة المجتمعات المستقرّة المتحضّرة المنضبطة ! فالمجتمع ، بسائر أفراده ، كركّاب سفينة في البحر! وأيّ خرق لها ، أياّ كان نوعه : خلقياً ، سياسياً ، اقتصادياً ، ثقافياً ، أمنياّ .. هو جريمة بحقّ المجتمع كله (ركّاب السفينة جميعاً ) ! أياً كان مَن يَخرق هذه السفينة ، حاكماً أم محكوماً ، صغيراً أم كبيراً ، عالماً أم جاهلاً ! وقد وردت أمثلة عدّة ، في كتاب الله ، تذكر نماذج مِن خرق سفنِ المجتمعات ، مِن قِبل الحكام ، ومن قِبل المحكومين! منها، على سبيل المثال ، لا الحصر :
-عن قادة المجتمعات من الحكّام ، ومَن يماثلهم (الأكابر) : وإذا أردنا أن نُهلك قريةً أمَرنا مُترفيها ففَسقوا فيها فحَقّ عليها القولُ فدمّرناها تدميراً .
- عن شعب من الشعوب بسائر أفراده : (لعِن الذين كفروا مِن بني إسرائيلَ على لسان داودَ وعيسى ابنِ مريمَ ذلك بما عصَوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهَون عن منكَرٍ فَعلوه لَبئسَ ما كانوا يفعلون) . واللعنة هنا شملت الجميع ، لأن العصاة لم يجدوا في مجتمعهم ، مَن يَردعهم ، أو يقاطعهم ، مِن غير العصاة !
- (واتّـقوا فـتنةً لا تصيبنّ الذين ظَلموا منكم خاصّة).
- قال رسول الله (ص) : إذا هابت أمّتي أن تقول للظالم : يا ظالم ، فقد تُودِّعَ منها!
- قالوا : يا رسول الله .. أنَهلِك وفينا الصالحون؟ قال : نعم.. إذا كثُر الخَبَث
وسوم: العدد 743