هل إعداد القوّة المستطاعة، ورباط الخيل الذي يرهِب العدوّ فيردعه.. مقصوران على الصراع المسلح!؟
لابدّ ، من طرح هذا السؤال، بين يدَي كل نوع ، من أنواع الصراعات، غير المسلّحة ! ( أمّا الصراعات المسلّحة ، الواجب فيها ردع العدوّ ، بإظهار القوّة له، كيلا تحدّثه نفسه بالعدوان..أمّا هذه الصراعات ، فأمرها واضح معروف ! وقياس الصراعات الأخرى ، في هذا السياق ، إنّما يكون على هذه الأنواع من الصراعات!).
فإذا كان الجواب على هذا السؤال ، بالإيجاب .. صحّت نظريّة (المرعوبين) الذين يتحاشَون كل حوار فكري ، أو عقَدي ، جادّ ، أو ساخن .. مخافةَ أن يَجرّ إلى مشكلات ، فردية أو جماعية ، سياسية أو عقَدية ، أو فلسفية ، داخلية أو خارجية ! متذرّعين بذرائع شتّى ، منها على سبيل المثال :
*) ابعدْ عن الشرّ وغنّ له ! ( حتى لو كان الشرّ يحاصِر القائل داخلَ بيته، وليس ثمّة مجال للابتعاد عنه ، قيدَ أنملة !). وهذا المنطق نابع من رعب عميق ، واضح أو غامض ، كامن في أعماق صاحب المنطق ! وهو سمّ قاتل ، يسري في النفس البشرية ، فيشلّ قدرتها عن التفكير، لاعن مجرّد الحركة والفعل ! وأخطر ما في هذا المنطق ، هو أن يكون قائله ، صاحبَ قرار، في هيئة اجتماعية أو سياسية ، أو في قبيلة ..! أو يكون مجرّد صاحب رأي مسموع في محيطه ! (وليس الشرّ المقصود هنا ، مقصوراً على القتل والقتال ، بل هو شامل لسائر أنواع الشرّ، بما فيها الكلام !).
*) ادّعاء الحكمة : كأن يقول القائل : ليس من الحكمة فتح جبهة مع هذه الجهة الآن ! أو: لا مصلحة لنا ( فردية.. أو جماعية ) في إثارة مشكلة جديدة نحن في غنى عنها ! أو : إن مهاجمة هذه الجهة الآن ، تفتّ في عضد الأمّة ، وتضعفها ، ونحن بحاجة إلى جمع الكلمة ، ووحدة صفّ الأمّة ! ومعلوم ، بالطبع ، أن الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها ، وهذا يقتضي معرفة (الأمور) ذاتِها ، ومعرفة حقائقها ، كما يقتضي معرفة (مواضعها) التي توضع فيها ! وهذي وتلك لا تتحصّلان إلاّ بالدراسة الجادّة المتعمّقة ، مِن قِبل عقول مؤهّلة للدراسة ! فما كل العقول قادرة على تناول الأمور المعقّدة ، والوصول فيها إلى نتائج صحيحة، ثم اقتراح حلول، أو مواقفَ ، بناء على هذه النتائج ..! وإلاّ ، لكان كل صاحب عقل حكيماً، بالضرورة ، حتى لو كان عقله قاصراً ، أو بليداً ، أو ضعيفاً..! وبالإضافة إلى العقل ، لابدّ من التجربة والخبرة ، والتمرّس في دراسة الأمور المعروضة للدراسة ! ودون هذا كله ، يكون ادّعاء الحكمة ، مجرّد ادّعاء فارغ ، ومتاجَرة بحكمةٍ مجّانية ، لا تكلّف صاحبها شيئاً ، سوى الثرثرة ، بلسان رشيق ، أو ثقيل ، أو عَييّ !
ولعلّ من المناسب ، أن نذكّر هنا ، ببيت من الشعر، يحفظه كثير، من الناس ، وفيه من الحكمة المناسِبة للسياق ، ما فيه ، من تَبصرة وغَناء :
ووضْع النَدى في مَوضعِ السيفِ بالعُلا
مضِرّ ، كوضعِ السيفِ في مَوضعِ النَدى
*) نموذج صارخ : ما يمارسه صفويّو إيران ، وعملاؤهم ، وأتباع مذهبهم، في العالم الإسلامي ، مِن منكرات تشيب لها الولدان ، على مستوى الترويج الواسع ، لعقائدهم الفاسدة المنحرفة ، التي يصعب وصفها بغيرالزندقة أو الضلال .. ثم ما يمارسه هؤلاء القوم ، من تطبيق حيّ ، عملي، على الأرض ، لأحقادهم المزمنة ، ضدّ المسلمين ، في العراق وفي الأحواز.. وما يرتكبونه من فظاعات تعجز عن تخيّلها شياطين الإنس والجنّ..! كل هذه الأمور، تَجد مَن يطالب بالسكوت عنها ، وعدم الإشارة إليها ، مجرّد إشارة ! لأن هذه الإشارة تَجرح مشاعر القوم ، الصفويين..! وبالتالي ، تؤدّي إلى شقّ الصفّ الإسلامي ، وإضعاف وحدة المسلمين التي أمرنا الله بها ، وصرفِ جهود الأمّة الإسلامية ، في صراعات جانبية هامشية عبثية ! ويظلّ هؤلاء الحكماء (المجّانيون!) يثرثرون ، وينظّرون، حول وحدة الأمّة الإسلامية ، وأهميّتها ، وضرورتها ، وعدم الإشارة إلى ما يضعفها..! وتظلّ وحوش الصفوية ، تعيث فساداً في العالم الإسلامي ، من شرقه إلى غربه ، ومن شماله إلى جنوبه ، دون أن تجد من يقول لها : مَهْ ! وما يزيدها الصمت (الحكيم!) عن جرائمها ، إلاّ مزيداً من الإجرام، ظناً منها أن الناس المحجِمين عن زجرها أو نهيها ،غافلون ،أو مغفّلون، أو عاجزون، أو جبناء خائفون منها ! ولو سَمعتْ منهم ما يدلّ ، على حياة لديهم ، أو وعي ، أو تنبّه لما تفعل ، واستعداد لمقاومة فعلِها .. لكفّتْ وارتدعت ، أو لخفّفت من عبثها الإجرامي ، لأن له كلفة سوف تدفعها..! وهذا يندرج تحت قاعدة الردع ( الإرهاب) الواردة في القرآن الكريم ، إلاّ أنه إرهاب بكلام ، ضدّ عدوان بكلام ( التبشير الصفوي ) ! وهذا هو الحدّ الأدنى ، للعاجزين عن ردع العدوان الصفوي ، الفارسي الإجرامي، المتمثل بالقتل والخطف ، والتعذيب والتمثيل ، والحرق والتهجير والاغتصاب ، والعبث بالمصاحف والمساجد..!
*) ونعود إلى السؤال : إذا كانت الخيل رمزاً للقوّة المادية الرادعة ، في الصراعات المادية المسلّحة .. أفليس للصراعات الأخرى غير المسلّحة، قوى رادعة مناسبة لطبيعتها ، كالألسنة والأقلام ، في الصراعات الفكرية، والعقدية ، والسياسية ، والإعلامية ..!؟
*) وتبقى أسئلة قصيرة : في أيّة دائرة تصبّ منافع الحكمة المجّانية ، التي يصدّرها بعض حكماء الصفّ المعتدى عليه ! وكم يمكن أن يبذل العدوّ الشرس المتنمّر، من المال ، ليزرع حكيماً واحداً من هذا الطراز، في صفوف أعدائه ! وكم يمكن أن تخفّف كلمة (لا) ، الزاجرة الرادعة ، من مآسي الأبرياء ، ضحايا العقائد الفاسدة ، الذين تُنهَب عقولهم وقلوبهم، بحملات تبشيرية محمومة ! ـ إذا عجزت (لا) هذه عن إنقاذ الأجساد البشرية ، التي تقطّع في غرف الموت ، على أيدي فِرق الموت ـ !
وسبحان القائل : ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتيَ خيراً كثيراً !
وسوم: العدد 749