فقه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
[من كتاب: تطوّر مفهوم النظرية التربوية الإسلامية. تأليف: د. ماجد عرسان الكيلاني]
عند حروب الردّة عارض عمر بن الخطاب رضي الله عنه إرسال الجيوش لمحاربة المرتدين محتجّاً بنص من نصوص الحديث دون أن يربطه بغيره من الأحاديث أو بمناسبته ومقتضيات الحكمة التي رافقته أو تضمنته، فاعترض على أبي بكر قائلاً: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله". فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.
ويعلق النووي على موقف كل من الصحابيين الجليلين فيقول: "وكان هذا من عمر رضي الله عنه تعلقاً بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه. فقال أبو بكر رضي الله عنه إن الزكاة حق المال، يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلقةً بإيفاء شرائطها. والحكمُ المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدم". ويستمر النووي في التعليق على الموقف إلى أن يقول: "فلما استقر عند عمر صحة رأي أبي بكر رضي الله عنه، وبان له صوابه، تابَعَه في قتال القوم، وهو معنى قوله: فلما رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أنه الحق. يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصاً ودلالة".
وسوم: العدد 808