و سألت نفسي و أنا أطوف بالكعبة
و سألت نفسي و أنا أطوف بالكعبة .. ما بال المسلمين يطوفون الآن في خشوع و تبتل فإذا خرجوا تفرقوا و انقسموا و أصبح كل منهم يطوف حول نفسه أو حول اسمه أو حول شيطانه
أهي أدوار يمثلونها لبضع دقائق ثم يذهب كل منهم بعد ذلك إلى حال سبيله ؟
أيكون طوى طوافا ..
هل هو طوافاً و نسكاً دينياً حقاً أم تمثيلاً ؟
هل أراد الله بالطواف أن يكون مجرد حركة معزولة عن السلوك و الحياة أم أراد به أن يكون شعيرة دينية .. هي تكثيف و تلخيص للحياة كلها
بل أراد الله أن تكون حياتنا كلها طوافاً حول مشيئته في كل صغيرة و كبيرة
و لو أن العرب طافوا في سياستهم حول نقطة واحدة كما يطوفون الآن ، و لو أنهم اجتمعوا أبيضهم و أحمرهم و أسودهم في رحاب رأي واحد كما يجتمعون في الكعبة لما ذلوا و لما هانوا و لما أصبحوا عالماً ثالثاً أو عالماً رابعاً .. كما نراهم الآن
و سألت نفسي في دهشة
و كيف بالطوافين حول الكعبة يحارب بعضهم بعضاً و يقتل بعضهم بعضاً .. و على أي معنى إذا كانوا يطوفون .. و على أي شيء كانوا يجتمعون
و هل صدقوا حينما طافوا
و هل صدقوا حينما اجتمعوا
و هل صدقوا حينما قالوا .. الله أكبر
بل كانت الدنيا عند كل منهم أكبر
و كان كل منهم طوافاً حول نفسه .. مسبحاً برأيه .. مهللاً لأفكاره
صدق رسول الله عليه الصلاة و السلام حينما رد على الأعرابي الذي قال له .. أصلي الفروض الخمسة و لا أزيد .. فقال .. أفلح إن صدق
فالقول ما زال سارياً على العرب جميعاً إلى اليوم
أفلحوا إن صدقوا
و يبدو أنهم إلى الآن ما صدقوا !
من كتــاب / الســؤال الحـائـر
د. مصطفى محمود رحمه الله
وسوم: العدد 832