من سجلّ حقوق الإنسان في أوروبا
[مختصراً من كتاب "الجمهورية العائمة" تأليف: ج. مانورانيج و بونومي دوبريه. نقلاً من كتاب "نظرية العدل" لجمال البنا]
تمرّد بحارة الأسطول البريطاني سنة 1797م:
كان الأسطول البريطاني، وما زال، فخر بريطانيا. فقد وقف بالمرصاد لكل من تحدثه نفسه بغزوها، وفي الوقت نفسه توغلت بوارجه فنالت أقصى المسالك وأخضعتها للحكم البريطاني، حتى تركزت في الأسطول قوة بريطانيا..
وإنه لمن أعجب الأمور أن نعْلَم أن الذين كانوا يعملون على ظهر الأسطول ويخوضون معاركه من البحارة أو المقاتلين، كانوا حتى القرن التاسع عشر يتعرضون لأنواع من الإذلال والاستغلال، ويعيشون حياة من القسوة والخشونة درجةً لا تكاد تصدق!. فقد كانوا يُمنَحون أجوراً بخسة لا تزاد على مر السنين وتتأخر سنوات (وصل في بعض الحالات إلى تسع سنين)، وكان هذا الأجر البخس القليل قسمة عادلة بين المستغلين من صرّافي السفن وتجار الموانئ وعاهراتها وأصحاب النُزُل وغيرهم من الذين يتلقفون البحارة عند وصولهم فيستغلّون تعطشهم الشديد إلى حاجاتهم. أما عن الطعام فقد كان بالحيوان أنسب، فقد كان الدقيق مسوّساً، واللحم نتناً، والجبن غنياً بالديدان الحمراء، حتى المياه التي كانت تستمد من الأنهار وتخزن في براميل، آسنة لزجة ذات لون أخضر متغير.
وكانت المعاملة وحشية، فخلال مرحلة طويلة من التدهور الأخلاقي وإساءة فهم معاني "السلطة" و"العسكرية" و"الضبط والربط"، أصبح "الجَلْد" هو الأسلوب المألوف الذي يلجأ إليه أي ضابط مهما صَغُر، في معاملة البحارة، وكان القانون يضع ضمانات عديدة لعدم إساءة استعمال هذه العقوبة، ولكنها كلها أُهملت ونُسيتْ مع الزمن. وكان الجلد يُؤدّى بسوط ينتهي بتسعة ذيول ويسمونه "القطة"، والضربة الأولى التي يضربها الجلاد بكل قوة تُفْلت فوراً "آه" عالية من فم المجلود حتى وإن كان من أشجع الرجال، وتمزق ست جلدات الجلد، بينما تُحيله اثنتا عشرة جلدة إلى ما يشبه الكبدة المتعفنة، وبعد ذلك تبدو العظام ويتفجر الدم من فم ومنخري وأذني المجلود. وفي كثير من الحالات كان الجَلد معناه الموت: الموت أدبياً، والموت مادياً.
وسوم: العدد 1033