خطة أميركا وإسرائيل لتفتيت الدول العربية
إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود رسمية ، وهي منذ نشأتها مرسومة على هذه الحالة لتضم إليها مزيدا من الأراضي بطريقة خارجة على شرعية القانون الدولي . وقد رسمت خريطة هذا التوسع في 1980 بوصفها جزءا من الخطة الأميركية الإسرائيلية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق مصلحة الدولتين ، مستهدفتين إقامة دمى من الأنظمة التابعة لهما في سوريا ولبنان وإيران بعد تفتيتها ، وفعل نفس الشيء في دول أخرى في الإقليم .
وفي 2006 كتب مهدي داريوس عن " المشروع الأميركي الإسرائيلي لشرق أوسط جديد " ، ولم تتغير أهداف الدولتين منذ الإعلان عن تلك الخطة التي تشمل خلق " قوس من القلاقل والاضطرابات والفوضى والعنف يمتد من لبنان وفلسطين وسوريا إلى العراق والخليج " الفارسي " وإيران وحدود آسيا الوسطى وشمال أفريقيا " . وقد بدأت حروب الناتو _التي لانهاية لها في هذا الإقليم الواسع _ بقيادة أميركا بعد أسابيع من أحداث 9 / 11 ، وما تلا ذلك خطط له مقدما بصورة محكمة ، وهو مصدر الادعاءات المضللة لأجندة الإمبريالية المتصاعدة لواشنطون في هذا الإقليم الثري بالنفط ، وفي سواه من أقاليم العالم الثرية بمصادر الطاقة . إن حروب أميركا المتصلة في الإقليم جزء من خطتها لتفتيته وغزوه واستراتيجية تحكمها فيه ، ولا أهمية في نظرها للتكلفة الإنسانية لهذه الخطة ، ولإسرائيل نفس الهدف في الإقليم ضمن الأهداف الأميركية على نطاق العالم . ففي 1982 نشر عوديد يينون كبير مستشاري وزارة الخارجية الإسرائيلية وثيقة للغزو والهيمنة الإقليمية ، عنوانها : " استراتيجية إسرائيل في 1980 " ، ونشر إسرائيل شاحاك ( 1933 _ 2001 ) ترجمة إنجليزية لتلك الوثيقة ، عنوانها " الخطة الصهيونية للشرق الأوسط " ، وتلك الخطة أكثر البيانات وضوحا وتفصيلا لبدعة الصهيونية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط خدمة للمصالح الإسرائيلية ، وتتضمن المقدمتان الأساسيتان للخطة :
*على إسرائيل لضمان بقائها أن تهيمن على الإقليم ، وأن تصبح قوة عالمية .
*يتطلب تحقيق أهداف إسرائيل الإمبريالية تقسيم الدول العربية إلى دويلات يسهل التحكم فيها ، وتفتيتها إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية لتصبح توابع ضعيفة تدور في فلك إسرائيل " ، وحسب يينون " فإن الخطة (تي ) تعني وجود وازدهار وصمود إسرائيل دولة معتمدة على قدرتها في تبني إطار عمل جديد لشئونها الداخلية والخارجية " يقوم على تأمين احتياجاتها من المواد الخام بالانتصار في حروب من أجل قضايا الطاقة ، وعالم عربي مجزأ . ويتابع : " حيث يجري تمزيق كل الدول العربية الواقعة شرقي إسرائيل ، وتحطيمها وشغلها بصراعات داخلية أكثر حتى من الصراعات القائمة في المغرب العربي ، أي مراكش والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والصحراء الغربية " . أما دول الخليج فهي في نظره " بيت هش من الرمال لا يوجد فيه سوى النفط " ، والأردن في رأيه هو فلسطين ، وعمان عاصمته في مقام نابلس الفلسطينية . وتلكم هي حال ومآل الدول الأخرى بما فيها مصر وإيران وتركيا وأفغانستان ، وسواها . ومجمل مشروع الولايات المتحدة والناتو وإسرائيل يستهدف خلق عنف وفوضى إقليميين لا نهاية لهما لاستغلالهما لصالح الأطراف الثلاثة في السيطرة على دول الإقليم ومصادر طاقتها القيمة مهما تعارض هذا المشروع مع القانون الدولي . فإسرائيل مثلا تحتل تقريبا كل أراضي الضفة الغريبة ذات القيمة ، إضافة إلى احتلال القدس ، احتلالا لا شرعية له . ودائما تطلعت إلى أغلبية يهودية وأقلية عربية في فلسطين التاريخية. ويوم الجمعة السالف قال ميشيل لنك مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة إن أفعال الدولة اليهودية بصفتها قوة احتلال " تقوم على المزيد من ضم الأراضي غير القانوني " ، وخلال زيارته عمان عاصمة الأردن ، رفض نظام نتنياهو الإذن له بدخول فلسطين المحتلة .
وتبين مقالاتي السابقة عن إسرائيل / فلسطين ما يلي :
*يعيش الفلسطينيون تحت احتلال إسرائيل في سجن ، يحكمهم فيه جيش أجنبي قمعي ، وفي ظل نظام إسرائيلي غير دستوري ، وعنصرية منظمة قانونيا .
*وهم محرومون من حق تقرير المصير ، ومن حق المواطنة ، ومن حق السيطرة على شئون حياتهم اليومية ، ومن كل ما هو أساسي للمجتمعات الحرة . ولمعيشتهم في خوفٍ مقيمٍ فإنهم يعانون من الخنق الاقتصادي ، والعقاب الجماعي ، والحرمان من حرية الحركة ، وحرية التعبير ، إلى جانب كل صنوف المهانة ، والحط من قيمتهم . وتجمعاتهم السكانية معزولة عن بعضها تسهيلا للسيطرة على أرضهم وسرقتها . وهم يقاسون من منع التجول ، وإغلاق طرقهم ، ونقاط التفتيش ، والأسوار الإلكترونية ، وغيرها من العوائق ، ومن القبض الجماعي عليهم ، والاعتقالات والتعذيب ، وجدران الفصل ، وتجريف البيوت ، والقتل المتعمد . وتنكر الأنظمة الإسرائيلية المتعاقبة الجائرة عليهم حقوقهم الأساسية التي يؤكدها القانون الدولي ، وتحكم هذه الأنظمة وفق ما يسميه إدوارد سعيد : " الوحشية المصقولة " .
ويعاقبون بنقص الخدمات الحيوية ، أو بالحرمان التام منها ، وبالضرائب الجزائية ، وبالاقتحامات المنتظمة ، وبالهجمات البحرية والجوية والبرية ، وباعتقال رجال الدين منهم لانتمائهم لأحزاب لا توافق عليها إسرائيل ، وبالتطهير العرقي ، وبالإبادة البطيئة لصلاتهم في تعبدهم وفق عقيدة تخالف عقيدة إسرائيل . وتحدي السلطة الإسرائيلية شفويا أو كتابيا أو بالمظاهرات السلمية يعرضهم للقبض عليهم والمحاكمة أو حتى الموت . إسرائيل تعني اليوم للفلسطينيين ما عنته ألمانيا النازية يوما لليهود : إبادة بطيئة مقابل إبادة سريعة ، حيث يتحمل مليونا غزي قسوة العيش في أكبر سجن عالمي مفتوح . شعب كامل يقاسي خنقا جماعيا . ولام لنك نظام نتنياهو لفشله في الوفاء بالتزاماته _ بصفته عضوا في الأمم المتحدة _ في التعاون التام مع خبراء الأمم المتحدة ، وعبر عن قلقه على حال الغزيين الذين يعيشون ظروف أزمة إنسانية تفرضها إسرائيل عليهم ، يقول : " يواجه الفلسطينيون الذين يطلبون الإنصاف من خلال النظام القانوني الإسرائيلي جملة من العوائق تبين لهم في النهاية أن عدالة هذا النظام مراوغة يستحيل نيلها " ،
ويضيف : " سلوك إسرائيل في 52 عاما من الاحتلال للأراضي الفلسطينية إهانة للقانون الدولي الحديث " ، ويتابع : " أعلنت الأمم المتحدة مرارا أن المستوطنات الإسرائيلية ليست شرعية ، وأن ضم إسرائيل للقدس الشرقية ليس شرعيا ، وأن انتهاكاتها للحقوق الإنسانية للفلسطينيين خرق للعهود والاتفاقات الدولية " و " حان للمجتمع الدولي أن يحاسب إسرائيل حسابا كاملا على أفعالها ، وأن يقرر ما إذا كانت هذه الأفعال _ بصفة إسرائيل دولة احتلال _ قد تجاوزت الخط الأحمر القاني إلى اللاشرعية " . والحقيقة أن لا لبس حول جرائم الحرب الإسرائيلية ، وجرائمها ضد الإنسانية ، واضطهادها المتوحش للفلسطينيين المعازيل إلا أن المجتمع الدولي لم يفعل شيئا لمحاسبة الدولة اليهودية ، ولم يفعل شيئا لإنصاف الشعب الفلسطيني " . وطالما ظلت تنال تأييد الولايات المتحدة فستستمر في القتل الجماعي للفلسطينيين ، ولن تنتهي معاناتهم في ظل سيطرتها . وإذا ما نفذ نتنياهو تعهده في حملته الانتخابية بضم المستوطنات غير الشرعية فسيكون هذا أحدث إهانة للحقوق الأساسية للفلسطينيين . ويقول لنك : " لم تحاسب إسرائيل يوما على احتلالها للأراضي الفلسطينية الذي امتد 52 عاما ، وعلى ضمها لبعضها ، وتحديها للقوانين والمعايير والقواعد الدولية في ما يتصل بالمستوطنات ، وجدار الفصل ، والعقاب الجماعي " ، وليس واردا أن تحاسب مستقبلا عليها إلا إذا أوفت المحاكم الدولية بالتزاماتها وحاسبت إسرائيل ومسئوليها على جرائمهم الكبيرة في اختراق القوانين والمعايير والقواعد الدولية .
*ستيفن لندمان في "global research" .
وسوم: العدد 835