بين السرقتين الصغيرة والكبيرة: إلى أي مدى كان بن غوريون صادقاً في قوله “معظم اليهود لصوص”؟
الاقتباس الموجود في عنوان المقال لم يقله زعيم لاسامي يكره اليهود أو نازي جديد، بل قاله مؤسس دولة إسرائيل بعد بضعة أشهر على قيامها. دافيد بن غوريون غضب، أو على الأقل تظاهر بالغضب، في جلسة لمركز مباي إزاء موجة نهب ممتلكات العرب من قبل الإسرائيليين الجدد في جميع أرجاء الدولة التي قامت للتو. لم يكن لمفهوم الدولة التي ولدت بالخطيئة مثل هذا المعنى الملموس في أي يوم من الأيام: “مثل الجراد، سكان طبرية اقتحموا البيوت”؛ “سطو تام وكامل: لم يبق خيط في بيت” و”جنود ملفوفون بالسجاد الفارسي في الشوارع”، هذا جزء بسيط من أوصاف ما حدث أمام أنظار الجميع ولم يتم التحدث عنه في وقت ما.
وألف المؤرخ آدم راز عن هذا كتاب “سرقة الممتلكات العربية في حرب الاستقلال”، وكتب عوفر اديرت عن ذلك مقالاً مؤثراً في “ملحق هآرتس” أول أمس، الذي كان يجب أن يثقل على بقايا ضمير أي صهيوني عاقل، ويغرقه في مشاعر عميقة من الخجل والذنب حتى بعد 72 سنة.
أغمضت السلطات عيونها، وبهذا شجعت السرقة، رغم كل الإدانات والنفاق وعدد من المحاكمات المضحكة. خدمت السرقة هدفاً وطنياً: استكمال عملية التطهير العرقي بشكل سريع لمعظم البلاد من أبنائها العرب، والاهتمام بأن لا يخطر ببال الـ 700 ألف فلسطيني الذين تم طردهم، العودة إلى بيوتهم. حتى قبل أن تستكمل إسرائيل هدم معظم البيوت ومحو أكثر من 400 قرية عن وجه الأرض، جاءت هذه السرقة الجماعية لتفريغها حتى لا يكون للاجئين أي سبب للعودة. لم يكن السارقون مدفوعين فقط بالطمع القبيح بممتلكات مسروقة بعد الحرب، ممتلكات من كان عدد منهم جيرانهم في الأمس، وليس فقط بالجشع والسعي إلى الثراء السهل بسرقة الأدوات المنزلية وزخارفها الثمينة، بل خدموا -عن قصد أو غير قصد- مشروع التطهير العرقي الذي حاولت إسرائيل عبثاً نفيه طوال الوقت. كان السارقون “برغياً” في آلة طرد العرب الكبيرة.
ولكن هذه السرقة التي شارك فيها الجميع تقريباً، كانت سرقة صغيرة، ونتاجاً ثانوياً متواضعاً لأختها الكبرى. صحيح أنها كانت قبيحة، وصحيح أنها أثبتت ولو للحظة بأن “معظم اليهود لصوص” مثلما قال الأب المؤسس، لكن هذه كانت سرقة صغيرة مقارنة مع سرقة ممأسسة للأرض والبيوت والقرى والمدن – سرقة البلاد.
لذلك، فإن نوايا رؤساء إليشوف اليهودي الذين سمحوا بالسرقة، هي أكثر قبحاً من وصفها المفصل. من المدهش أنهم لم يتحدثوا عن السرقة يوماً ما، وهذه عملية أخرى من عمليات الإنكار والنفي للمجتمع في إسرائيل، ولكن شهوة الانتقام وثمن الانتصار بعد حرب قاسية قد تبرر، ولو جزئياً، مشاركة كثيرين فيها. الحرب موضوع قبيح، كما هو اليوم الذي يليها. ولكن عندما لا تعكس السرقة فقط ضعفاً إنسانياً لحظياً، بل استهدفت أيضاً خدمة هدف استراتيجي واضح، وهو تطهير البلاد من سكانها، فإن الكلمات يجري نسخها. ومن يعتقدون أنه سيتم العثور على حل للنزاع ذات يوم بدون تكفير مناسب وتعويض ملائم عن هذه الأفعال، هم واهمون.
الآن فكروا بمشاعر الأحفاد، عرب إسرائيل واللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيشون معنا وإلى جانبنا. هم يرون الصور ويقرأون الأقوال – وماذا يخطر ببالهم؟ ربما صادف بعضهم ذات مرة بساطاً فارسياً لآبائهم أو في واجهات عرض زجاجية لأجدادهم، من ذكريات طفولتهم، موجودة في أحد البيوت اليهودية التي قاموا بتنظيفها. ربما شاهدوا فنجان الجدة أو سيف الجد القديم موضوعاً على مكتبة في بيت يهودي قاموا بإعادة تأهيله. لم يحظوا برؤية معظم قرى آبائهم: فقد دمرت إسرائيل معظمها كي لا تترك لها ذكراً. ولكن ذكرى صغيرة مسروقة من البيت المسلوب قد تتسبب بذرف الدموع. اسألوا اليهود الهائجين عند مصادفتهم ممتلكات يهودية مسروقة.
وسوم: العدد 897