لماذا يختار الفلسطينيون “الصمت” في هذا الوقت أمام “راعية الإرهاب العالمي”؟[ أسرائيل]
“النفوس في الضفة الغربية هادئة نسبياً، مؤخراً”، كتب المحلل العسكري عاموس هرئيل، كنقيض للرياح التي هبت أول أمس من حادثتين، عملية إطلاق النار في البلدة القديمة في القدس وعملية الطعن في يافا، تحفظ هرئيل في حديثه عن الهدوء بالقول: “باستثناء الأحداث المحلية التي يرتبط بعضها بالاحتكاك في الجوار بين سكان القرى الفلسطينية وسكان البؤر الاستيطانية المجاورة”.
هذه الأقوال تحتاج إلى ترجمة بلغة الواقع. بكتابتها من زاوية نظر إسرائيلية – أمنية حصرية، هي تزرع في وعي القراء صورة مشوشة ومضللة، وتستثني أي بصيص من الوعي في أوساط معظم القراء، الذين لا يتابعون التغريدات والمنشورات ليساريين على أنواعهم، الذين ينشرون ما يحدث في الضفة الهادئة نسبياً كما يبدو.
أولاً، الضفة الغربية فضاء غير قائم بحد ذاته، بل هي فضاء سرقته إسرائيل بشكل متعمد. الفلسطينيون مسجونون في سجون، كل سجن منها محاط ببعض أو بكل الأمور التالية: الجدران، الأسوار، الكاميرات، الطائرات المسيرة وبالونات المراقبة، الجنود المبرمجون على عدم الشعور بألم غير اليهود، أبراج الحراسة وإطلاق النار، المستوطنات، البؤر الاستيطانية وقيود على الحركة.
ثانياً، إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين ليس “احتكاكاً بين جيران”، بل هو أداة متطورة في ترسانة أساليب التجهيز لإسرائيل، ومسار الغنى والرخاء المادي لمزيد من الإسرائيليين.
ثالثاً، إذا تمسكنا بالجذر م.س فإن إسرائيل والإسرائيليين يمسون بالفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك شرقي القدس، في كل لحظة (أيضاً في قطاع غزة وفي إسرائيل نفسها، لكننا سنركز على الضفة، على سبيل المثال). معظم العمليات غير قاتلة بشكل فوري. وضررها المدمر ضرر تراكمي، يؤثر على النفس والجيب والصحة، لأنه يشجع أمراضاً مثل ضغط الدم العالي والسكري وأمراضاً أخرى مرتبطة مباشرة بالتوتر والاكتئاب المستمر.
كل قطعة جدار تمنع الناس من الوصول إلى أراضيهم تعدّ مساً، وكل بندقية موجهة تخيف الأطفال في السرير، وكل أمر هدم لخزان مياه وحظيرة، وكذا كل أمر بيروقراطي يقيد الحركة، وكل رفض للتسجيل في سجل السكان الفلسطيني لنساء يعشن هنا مع عائلاتهن منذ عشرات السنين. الهجوم هو صراخ مجندة غير مرئية عبر مكبر الصوت في نقطة تفتيش مزدحمة، والهجوم المتكرر هو عزل القدس وفصلها عن باقي الأراضي الفلسطينية.
إن فرض حصة على كمية المياه التي يسمح للفلسطينيين باستهلاكها، وتعطيش تجمعات الرعاة، هو أمر لا يقل عن عملية تخريبية وهجوم إرهابي متواصل. وكل إعلان عن منطقة كأرض دولة، هو هجوم إرهابي لا يتوقف ضد التاريخ والحاضر والمستقبلي لكل قرية ومدينة تسرق أرضها. وحتى الآن لم نصل إلى الحضور المهدد والوقح والقاتل لرجال الشرطة الإسرائيليين في شرقي القدس، ولم نقترب من القتلى والمصابين الفلسطينيين بنار الجيش الإسرائيلي في مظاهرات الاحتجاج على سرقة الأراضي.
الهدوء النسبي هو من اتجاه واحد، وفي وضع الاعتداء الإسرائيلي المتواصل والصاخب ضد الشعب الفلسطيني هو أمر يجب أن يلفت الانتباه. نذكر أن عدداً قليلاً من الفلسطينيين يختارون الرد بإطلاق النار أو الطعن رداً على هجوم إسرائيل المتواصل. الأغلبية الساحقة تحبس مشاعر اليأس والغضب والعجز تحت غطاء من الطبيعية. ستقولون بأن خيار ضبط النفس هذا هو نتيجة الرقابة والقمع والامتثال للشاباك والجيش والسلطة الفلسطينية. أنتم محقون، لكن ضبط النفس هذا ينبع بالأساس من الاستنتاج الذي استنتجه المجتمع الفلسطيني، والذي بحسبه في هذه الأثناء، في ظل علاقات القوى غير المتساوية تماماً، لا يمكن تدمير غرور إسرائيل بعملية طعن أخرى أو عملية إطلاق نار. في هذه الأثناء، وفي ظل غياب قيادة موثوقة واستراتيجية موحدة، فإن أي خطوة شخصية ويائسة لن تدفع الفلسطينيين قدماً في نضالهم ضد حكم إسرائيل الأجنبي، الذي هو المسبب الأول للعمليات الإرهابية.
وسوم: العدد 956