مرض من غير إجازة
قال : أعرف لك خبرة بالمرأة ومعرفة بطباعها .
قلت : إنما هي قراءات واطلاعات ومتابعات لشؤونها . على أي حال فإني أشكر لك هذا الظن بخبرتي ومعرفتي بطباعها .
قال : أريد أن أسألك عن مثل عامي شائع في بلدنا إن كان يصف طبعاً من طباع المرأة أو حالاً من أحوالها .
قلت : وماذا يقول هذا المثل ؟
قال : (( المرأة كالسجادة .. تحتاج كل شهر إلى نفضة )) .
قلت : وهل وجدت أثراً لهذا المثل في زوجتك ؟
قال : أتريد الحق : نعم . وجدت فيه انطباقاٌ كبيراً عليها .
قلت : هكذا أغلب النساء .. فلا تقلق .
قال : أغلبهن يحتجن إلى هذه (( النفضة )) .
قلت : على العكس تماماً ؛ إنهن يحتجن حلماً مضاعفاً من الزوج وصبراً أجمل عليهن .
قال : ولكنك قلت : هكذا أغلب النساء !
قلت : إنما عنيت أن أغلب النساء يصدر عنهن كل شهر ما يثير غضب أزواجهن عليهن … لكن هذا لا يستدعي العقاب الذي شبّهته بـ (( النفض )) للسجاد .
قال : وماذا يستدعي إذن ؟
قلت : كما أخبرتك .. يستدعي مزيداً من حلم الرجل وصبره .
قال : وما معنى كل شهر .. ولماذا ليس كل شهرين ؟
قلت : وهل تحيض المرأة كل شهرين أم كل شهر ؟
قال : وما شأن حيضها بما نحن فيه ؟
قلت : له كل الشأن . لأن ما يثير غضبك كل شهر إنما يوافق موعداً يسمّى بالدورة الشهرية . ولو راقبت هذا بانتباه لوجدته صحيحاً .
قال : ( وقد رفع عينيه وكأنه يسترجع ماضياً ) : لعلك على حق . ولكن ما صلة دورتها بانقلابها النفسي عليَّ ؟
قلت : إنه على صلة كبيرة بها .
قال : كيف ؟
قلت : لو أصبت بنزف فقدت فيه ربع ليتر من دمك .. أما كنت تولول وتدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور .. ولعلك تطلب إجازة من عملك ؟
قال : لعلي أفعل هذا أو ما يشبهه .
قلت : فإن المرأة تنزف مقدار هذا الدم كل شهر ولا يلتفت إليها أحد !
قال : المسكينة .
( لم أتيقن إن كان جاداً في إشفاقه أو ساخراً ) .
قلت : وأكثر من هذا .
قال : وماذا أيضاً ؟
قلت : تنخفض درجة حرارة المرأة في أثناء الحيض درجة مئوية كاملة . وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تتوقف في جسم الكائن الحي تكون في أدنىمستوياتها وقت الحيض . وتسمي هذه العمليات بالأيض أو الاستقلاب Metabolism . ويقل إنتاج الطاقة .. كما تـقل عمليات التمثيل الغذائي .. وتقل كميةاستقلاب المواد النشوية والدهون والبروتين .
قال : كأنك تريد أن تقول إنها تمرض في دورتها ؟
قلت : مستأنفاً حديثي : وتصاب الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها .
قال : وهل هناك شيء آخر ؟
قلت : ونتيجة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويبطئ النبض ويـنخفض ضغط الدم . ويصاب أكثر من النساء بالدوخة والفتور والكسل في أثناءفترة الحيض .
( نظرت في صديقي لأرى أثر الكلام في وجهه )
قال : تفضل .. أكمل .
قلت : يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى . وأكثر النساء يصبن بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن . وبعض النساء تكونآلامهن فوق الاحتمال .. مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات ، ومنهن من تحتاج إلى زيادة الطبيبة من أجل ذلك .
قال ، وقد ظهرت علائم الاقتناع واضحة في وجهه : ولا شك في أن هذا كله يضغط على أعصاب المرأة فيثيرها ويغضبها .
قلت : صدقت . تـصاب المرأة بحالة من الكآبة والضيق في أثناء الحيض .. وخاصة عند بدايته .. وتكون متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة الاحتمال . كماأن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها . وبعض النساء يصبن بالصداع النصفي ( الشقيقة ) قرب بداية الحيض . وتكون الآلام مبرحةوتصحبها زغللة في الرؤية وقيء .
قال : إن هذه والله لأعراض مرض !
قلت : ومع هذا فإن (( المسكينة )) ، كما وصفتها ، لا تستطيع أن تأخذ إجازة من تلبية طلباتك وطلبات الأولاد .. ومن تبعات البيت وأعماله .. فهل تريدهاأن تحتمل هذا كله لترسم ابتسامة دائمة على وجهها … ويتسع صدرها لهذا وذاك وذلك .. ؟
قال ( وكأنه يعتذر ) : الإنسان عدو ما يجهل .
قلت : وعلى هذا .. فإن المثل الذي ذكرته صحيح في شيء وخاطئ في آخر . صحيح في أن المرأة تحتاج كل شهر .. وخاطئ في تحديد هذا الذي تحتاجهبأنه (( نفضة )) كنفضة السجاد .
المرأة تحتاج ، على العكس من هذا ، إلى مزيد من الحلم عليها ، واحتمال أكثر لاهتياجها ، وتقبل أفضل لثوران أعصابها ، واتساع صدورنا نحن الرجاللها .
قال : ما أجمل وأبـلغ قوله تعالى في وصف محيض المرأة بأنه أذى (( ويسألونك عن المحيض .. قل هو أذى )) .
قلت : وانظر إلى آثار رحمة الله بالمرأة .. كيف خفف عنها واجباتها أثناء الحيض فأعفاها مـن الصلاة ولم يطالبها بقضائها .. وأعفاها من الصوم . وأعفاهامن الاتصال جنسياً بزوجها وأخبـر زوجها بأن الحيض أذى كما جاء في الآية الكريمة التي أشرت إليها .. والآية كاملة تـقول : (( ويسألونك عن المحيضقل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض . ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )) .
قال : سبحان الله . ربها يخفف عنها ما افترضه عليها .. ونحن الرجال لا نرضى أن تقصر في أي من واجباتها نحونا .
قلت : ولعل هذا يكشف عن الحكمة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تطليق المرأة أثناء الحيض .
قال : كم أنا شاكر لك هذا البيان الواضح .. وإني لأرجو أن يعينني الله على أن يتسع صدري لزوجتي أيام حيضها .
قلت : بل ادع الله أن يوسّع صدورنا لزوجاتنا في الأيام كلها .. فنحتمل ما يصدر عنهن ، ونحلم عليهن .
قال : آمين آمين
وسوم: العدد 668