«عائشة الدباغ» أول برلمانية سورية من حلب

من دفاتر سيدة حلبية..

حوار: محمد جمال الطحان

دمشق

صحيفة تشرين

ثقافة وفنون

الأربعاء 30 حزيران 2010

امرأة ليست كالنساء اللواتي يندبن حظوظهن، ناضلت وثابرت كي تحقق بعض أهدافها، ونجحت «عائشة الدباغ» في أن تصبح علماً من أعلام «حلب الشهباء»..

باحثة وشاعرة ومؤرخة. عضو في عدة جمعيات خيرية. تتقن ثلاث لغات:

الإنكليزية والفرنسية بالإضافة إلى العربية.. ولدت عام 1921 في حلب وفيها

تلقت تعليمها الابتدائي ثم تابعت الإعدادي والثانوي في دمشق، والجامعي في

بيروت. وبقيت عازبة طوال حياتها لأنها لم تلتق بمن يشاطرها أحلامها

العريضة. ‏

كرمت من قبل عدة جهات: جمعية العاديات- نقابة المعلمين- جمعية رفع المستوى الصحي ‏

- اتحاد الجمعيات الخيرية.. ‏

من مؤلفاتها: الحركة الفكرية في حلب- من دواوينها الشعرية: ملحمة

الإيمان- الموجود في رحلة الوجود- وأعشب القلم. ‏

التقيناها في منزلها وفتحت لنا دفتر يومياتها لتحدثنا عن مسيرتها العلمية

والحياتية وكان معها الحوار التالي: ‏

ماهي الصعوبات التي اعترضت مسيرة حياتك الدراسية وكيف تغلبت عليها؟ ‏

عندما أنهيت مرحلة التعليم الابتدائي في «حلب» كانت أختي الكبرى قد تخرجت

من الجامعة السورية في «دمشق» تحمل إجازة في القبالة والتمريض، وشاءت

الدولة أن توزع هؤلاء القابلات على الريف فانتقلت العائلة المؤلفة من أم

وابنتين إحداهما أنا إلى «جرابلس» التي لا يوجد فيها /تجهيز/ ثانوية

ولامدرسة إعدادية فاضطررت أن أذهب إلى «دمشق» لأكمل تعليمي لوجود المدرسة

الداخلية الوحيدة فيها. وكانت المعاناة النفسية أكبر بسبب بعدي عن عائلتي

وأنا مازلت طفلة بحاجة للرعاية والحنان من الأسرة، ولكن من طلب العلا سهر

الليالي هذا كان شعاري. وأيضاً بعد المسافة بين جرابلس ودمشق فمدة السفر

طويلة جداً حيث كان يستغرق الطريق من جرابلس إلى دمشق أكثر من سبع عشرة

ساعة في القطار. ‏

بعد الثانوية أين اتجهت وكيف أتممت دراستك؟ ‏

بعد أن أنهيت دراستي الثانوية ذهبت إلى بيروت في بعثة للجامعة الأمريكية

لمدة أربع سنوات، كان التعليم فيها باللغة الإنكليزية، وكانت الدراسة

شاقة جداً وكذلك الامتحان أما المصادر والمراجع فقد كانت بالعربية

والفرنسية والإنكليزية. وكانت هذه المصادر والمراجع متوفرة في مكتبة

الجامعة بشكل كبير ولانحتاج إلا إلى البحث والقراءة. فنجاحنا في الامتحان

يعتمد على مطالعتنا الخارجية للأبحاث التي يزودنا بها الأستاذ. وكان

المحيط التعليمي في الجامعة يزود الطالب بكل مايلزمه للمستقبل ويعده

إعداداً جيداً ليكون عضواً نافعاً في المجتمع. أما النظام الدراسي فقد

كان جيداً جداً بحيث أن ثلاثة انقطاعات في الفصل الواحد يحرم الطالب

بموجبه من دخول الامتحان. وكان الأستاذ /نبيه فارس/ يرفض أن نقدم في ورقة

الإجابة ماكان يعطينا إياه في المحاضرات وكانت له جملة مميزة: (لاتتقيؤوا

على المادة التي أعطيتكم إياها) وكانت كل الجامعة تعمل بهذا القانون. ‏

علمنا أنه كان لك ركن خاص في الجامعة، ماالذي يعنيه ذلك؟ هلا حدثتنا عن

هذا الأمر. ‏

نعم كان لي في الجامعة ركن خاص أمارس فيه مع زملائنا العرب نشاطنا

الطلابي حيث أصدرنا مجلة /العروة الوثقى/ كنا نكتب فيها آراءنا وكنت

أتولى فيها تحرير القسم الاجتماعي وكانت الأبحاث تأتيني باللغة

الإنكليزية فكنت أقوم بترجمتها للعربية ومن ثم أنشرها، أو باللغة العربية

فأصححها وأنشرها، وكانت المجلة اللسان الناطق للطلاب العرب. كما كنا

نمارس نشاطات أخرى مثل الرياضة والرحلات وإقامة الندوات الفكرية والعلمية

وخاصة عندما تزور البلد شخصيات ثقافية وعلمية وكبيرة فكانت تأتي وتحاضر

عندنا. ‏

الحركة الفكرية في «حلب»

كيف كانت رحلتك في رسالة الماجستير؟ ‏

بعد التخرج أردت أن أعد رسالة الماجستير وكان لايتقدم إليها إلا من حصل

على معدل 85% فاقترح علي رئيس دائرة التاريخ أن أعد موضوعاً عن الحركة

النسائية بين الحربين. ‏

إلا أن «د. نقولا زيادة» اقترح علي عنواناً آخر حيث قال لي: أنت من حلب

وحلب غنية بأدبائها وشعرائها والأفضل أن تكتبي عن حلب وشاركه في هذا

الرأي «د. اسحق موسى الحسيني» الذي كان أستاذاً في الجامعة وكان عنوان

رسالتي في الماجستير: (الحركة الفكرية في حلب في النصف الثاني من القرن

العشرين). ‏

بعد أن أنهيت دراستك الجامعية ورسالة الماجستير وعدت إلى الوطن ماذا فعلت؟ ‏

بعد العودة إلى الوطن عينت مديرة مدرسة التجهيز بإدلب، وهي أول مدرسة

إعدادية تُحدث في «إدلب» حيث طُلب مني تأسيسها والعمل فيها ولم يكن يوجد

أساتذة مختصون إطلاقاً فكنت أكلف الصيدلي بتدريس ساعات الفيزياء

والكيمياء والطبيب بتدريس الرياضيات ريثما يتوفر لدينا أساتذة. ‏

مرآة البنات ‏

علمنا أنك وضعت مرآة كبيرة في مطلع دَرَج المدرسة، فما هي قصة المرآة

التي وضعتها للطالبات، وما الغاية منها؟ ‏

من الأمور التي مازلت أذكرها تلك المرآة التي وضعتها على الجدار قبل

الدخول إلى الصفوف وكتبت عليها عبارة (أصلحي من شأنك) التي كانت تنبه

الطالبات إلى وجوههن وشعرهن المبعثر خلال الفرصة فكن يرتبن أنفسهن قبل

دخول الصف. ‏

مما سمعته أن لك زملاء دراسة صاروا كلهم في مناصب. وبعض طالباتك أيضاً

فماذا تقولين عنهم؟ ‏

من أهم زملاء الدراسة الدكتور «جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير

فلسطين» «منصور الأطرش»، «حسان مريود» وزير خارجية أيضاً. وهؤلاء ليسوا

زملاء دراسة فقط بل زملاء في العروبة وكنا نعمل معاً على الصعيد العربي.

ومن طالباتي اللواتي أذكرهن: «رصينة جحا» من بنات الأستاذ المرحوم «فريد

جحا» - «جميلة جازة» - «ضياء قصبجي». وكنت حينها أدرس اللغة الإنكليزية

فكانت أكثر طالباتي يدرسن اللغة الإنكليزية وهذا أسعدني كثيراً لأنني

بذلت كل جهدي في تأسيسهن بشكل جيد. ‏

الإيفاد الى مصر ‏

حين تم إيفادك، ماذا فعلت في مركز التربية الأساسية وتنمية المجتمع

المحلي في مصر؟ ‏

سافرت إلى «مصر» بمنحة من وزارة التربية حيث ندبت للعمل في /مركز التربية

الأساسية وتنمية المجتمع المحلي/ وكان فيه مندوبات من كل الأقطار العربية

وكنا نذهب كل أسبوع في جولة إلى الريف لإقناع أولياء الأمور بضرورة تعليم

بناتهم والمرأة بشكل عام، وكنا نلاقي الأمرّين في هذا العمل، ورغم ذلك

استطعت إقناع كل من جلست معهم من أولياء الأمور بضرورة تعليم المرأة.

وحصلت على إجازة ودبلوم بعد نهاية البعثة في تنمية المجتمع المحلي. ‏

مما نعرفه عنك أنك كنت ممن لايحب الركود فإلى أين سافرت للاطلاع؟ ‏

لأنني لا أحب أن أبقى كالماء الراكد أحاول أن أجدد كل بضع سنوات لأبقى في

حيويتي ونشاطي، فبالإضافة إلى أسفاري الخاصة كنت أحاول أن أجدد معلوماتي.

ذهبت إلى كندا لأدرس في معهد الدراسات الإسلامية والمعهد لايقبل إلا

الطلاب من ذوي المجموع العالي وأن ترشحه جامعة معروفة أو أستاذ معروف

وأنا رشحني «د. اسحق موسى الحسيني» الذي كان يدرس في ذاك المعهد، وجاءتني

رسالة من الجامعة ترحب لأكون طالبة فيها. وأما المشكلة فتكمن عند استخراج

الأوراق فوزارة التربية لاتسمح بذهابي لأنني مكلفة بالتدريس، وحاولت بكل

الوسائل الحصول على الموافقة وقد وافق الدكتور «مصطفى حداد» على سفري

بإجازة دراسية من دون راتب حتى أقوم بالدراسات الإسلامية، فالدراسة كانت

جادة جداً جداً وللحصول على الدكتوراه يجب أن يدرس الطالب خمس سنوات،

وبالنسبة لي درست سنة واحدة ثم استدعيت إلى «حلب» وفي هذه السنة كان

أستاذ التصوف «سويسرياً» طلب منا أن نقدم دراسة عميقة جداً عن أحد

المتصوفين بكل ماكتب عنه في اللغات الأجنبية المعروفة فكان من الطبيعي أن

أختار «رابعة العدوية» لأنني الفتاة الوحيدة في الجامعة ورابعة العدوية

المتصوفة الوحيدة وكتبت عنها بحثاً بالإنكليزية. ‏

وهل كان لك نشاطات أخرى غير الدراسة هناك؟ ‏

نعم كان لي نشاطات أخرى غير الدراسة كانت اجتماعية بوجوه مختلفة حيث أسست

مع بعض رفاقنا العرب مركزاً عربياً لأول مرة ولم يكن يوجد من قبل ودعينا

إليه أساتذة الجامعة على مستويات مختلفة لكي نحصل على إعلانات وملصقات،

ولهذا ذهبنا إلى العاصمة «تورنتو» لنحصل على مانريد ولم يكن هناك تمثيل

دبلوماسي بين سورية وكندا فذهبنا إلى السفارة المصرية لعلها تفيدنا،

فوجدنا خرائط للسد العالي فقط، على الرغم من أن السد العالي كان قد تم

بناؤه ويعمل، ثم أصبحت كذلك في مركز إسلامي وكنت الوحيدة فيه ودخلت مجلس

الإدارة أول امرأة عربية ومسلمة وتبرعت بتعليم أبناء الجالية المسلمة

والعربية اللغة العربية، لأن هناك الكثير من الطلاب والمقيمين العرب

زوجاتهم أجنبيات والأولاد لايعرفون اللغة العربية، وكان المكان المعد

لهذا الغرض (سقيفة في أحد الخانات) ولايوجد إمكانيات، وحينها أسسنا رابطة

الصداقة السورية الكندية لأول مرة. ‏

تجربتها في واشنطن ‏

ماذا عن تجربتك حينها في واشنطن؟ ‏

في واشنطن زرت البيت الأبيض وحضرت جلسة الكونغرس الأمريكي ودخلت مكتبته

كانت تشغلني الأمور الثقافية فأحاول الاطلاع عليها قدر المستطاع، وكنت

حين أذهب لأي مكان أزور المتاحف أولاً، ومع أن أمريكا ذات حضارة مستحدثة

إلا أنها أنشأت قرية سياحية من أروع ما يكون، فالمكان الذي حطت به أول

قدم أوروبية هاجرت هرباً من الاضطهاد الديني – على حد زعمهم- جعلوها قرية

سياحية ترى فيها أولاً الباخرة التي نقلتهم راسية على الميناء والأدوات

الشخصية التي استعملوها مازالت موجودة ومما لفت نظري أنهم بنوا بيوتاً

على الطريقة القديمة (مشروع الصوت والضوء) لأول مرة أراها هناك قبل

القاهرة/ صاحب المنزل وزوجته وأولاده تماثيل من شمع عليها إضاءة خفيفة

يتكلمون مع بعض كأنهم في جلسة عائلية/ و/ زنوج وهنود حمر من الذين

تفاوضوا معهم قبل دخولهم إلى البلد/ والقائم على هذا البيت سيدة غنية

مندوبة من الجمعيات النسائية اللواتي يسخرن أنفسهن لخدمة مشاريع كهذه. ‏

والملاحظ أنهم يعرفون كيف يبنون حضارة تخصهم وتكون لهم في المستقبل

وعندما كنت في زيارة إلى مدينة لندن لأتعرف على معالمها التاريخية

والأثرية وشوارعها الجميلة عدت إلى سورية لأكون أول عنصر نسائي في مجلس

الشعب (المجلس الوطني للثورة عام 1965). ‏

ذكرت غير مرة عن صداقة والدك مع المفكر عبد الرحمن الكواكبي، حتى إنه كان

معه ليلة وفاته؟ ‏

والدي كان صديق عبد الرحمن الكواكبي رحمهما الله وكانت له تجارة بين

سورية ومصر، وكانوا ثلة من الأصدقاء منهم: عبد العزيز الثعالبي، رشيد

رضا، والكواكبي كانوا يجتمعون في مقهى يلدز بالقاهرة ويتناقشون في كل

الأمور التي تهمهم وفي إحدى الليالي في نهاية السهرة رافق والدي الكواكبي

وابنه كاظم مسافة من الطريق ثم افترقوا، ووصل والدي لأن مسكنه أقرب،

وبينما كان والدي يخلع ملابسه إذ بابن الكواكبي ينادي عليه يا عم لا أدري

ما الذي حصل لوالدي، وغادر الاثنان إلى حيث المفكر عبد الرحمن، ولما وصلا

إليه كان في الأنفاس الأخيرة وشيّع جثمان الكواكبي على نفقة الخديوي

اسماعيل، وضاع أثره إلى أكثر من /30/ سنة ثم أرسلوا لوالدي حتى يدلهم على

القبر في القاهرة، وقد فعل. ‏