مع الشاعرة المغربية "العصامية" البتول العلوي
اغتراب الذات لا يقل صعوبة عن اغتراب الوطن ..؟!
حوار مع
الشاعرة المغربية "العصامية" البتول العلوي
البتول العلوي |
حسين أحمد |
لعل هذه الشاعرة تتميز إلى حد ما عن باقي الكاتبات والشاعرات اللواتي ظهرن في عالم الكتابة والأدب, في المغرب تحديداً. فالبتول العلوي نموذجاً فريدا ,عرفت عنها في محيطها الثقافي بالشاعرة " العصامية "، لما تكتنز هذه الخاصية من مدلول غائر, وهذا ما تنطقها لنا عبر قصائدها المدهشة ,من جهة ,وسلسة وشفافة من جهة أخرى سمتها هي بالخواطر الشعرية ربما تواضعاً منها لا تكلفاً.كما أن البتول العلوي تدرك جيدا تفهمها لدورها الثقافي والإنساني والمعرفي بما يتعلق بالمشهد الثقافي المغربي أولا ومن ثم داخل الحراك الثقافي والإنساني ككل. فمن هنا كان لنا معها هذه الوقفة الانترنيتية السريعة .. والتي أتمنى أن تنال رضى الجميع .
نص الحوار :
س 1 : بداية كيف بدأت علاقتك مع الأدب والكتابة..؟؟
ج- لا أدعي أنني كاتبة أو شاعرة ولست خريجة جامعة و لم أدرس يوما الأدب و لا اللغة و لا بحور الشعر و أوزانه, إنما هي فقط موهبة حباني الله بها .منذ نعومة أظافري مكنتني من الانتساب للأدب و استعمال أدواته.
بدأت علاقتي بالكتابة كأداة و عمري لم يكن يتجاوز السابعة, لم يكن القلم يفارق جيبي أكتب كل ما تعشقه أذني من طرائف و كلمات أغاني ,ورغم صغر سني كنت القارئة و الكاتبة لرسائل الجيران و لم أكن أبخل على أي أحد, مع الأسف لم أتمم دراستي, توقفت عند الثانية ثانوي حسب التسمية القديمة. بعد سنوات قليلة تزوجت, دخلت معترك الحياة والعمل, انشغلت بواجباتي الأسرية, بعد مضي سنوات و في مايو 2005 تاريخ إحالتي على التقاعد (المغادرة الطوعية( حاولت إيقاظ الموهبة الكامنة و صقلها و العمل على تطويرها و بلورتها بالثقافة و البحث و المثابرة و السعي الجاد في ملاحقة الركب الإبداعي و الانصهار فيه, و كانت قصيدة الصمت الرهيب التي نشرت بأول أنطولوجيا للشعر العربي المعاصر هي انطلاقتي الأولى لعالم الكتابة الإبداعية.
س 2 إلى أي مدى شجع نادي " شعر وشاي" شاعرية البتول العلوي..؟؟حبذا لو تتحدثين عن هذه العلاقة ..؟
ج- انتساب لنادي شعر و شاي فتح شهيتي للكتابة و منحني فرصة التواصل مع مبدعين مرموقين كنت أسمع بأسمائهم فقط. ومن خلال الأمسيات و اللقاءات الشعرية و الندوات التي أحضرها على الصعيدين المحلي و الوطني,اكتسبت خبرة أدبية, فتحت أمامي آفاق المعرفة,مرنت القلم على المثابرة ونظمت طريقة كتابتي حيث أصبحت عنصرا مهما في حياتي اليومية بعدما كانت مجرد هواية ألجأ ليها لملأ الفراغ.
س3 أصدرت ديوان" الزجل الغنائي " الموسوم بـ بوح الهوى ما رؤيتك لهذا المذهب من الشعر ,وهل بمقدور البتول العلوي أن تبوح ما بداخلها عبر هذا النوع من الكتابة ,ولماذا جاءت باللهجة المصرية حصراً ..؟؟
ج- الكتابة تنفيس و تعبير عن المكنون الدفين دونما قيد أو شرط ,
هي سفر عبر كل محطات العمر, هي التأمل في الحاضر و المستقبل ,هي الهروب منا و إلينا و هي الملاذ حين يعز الملاذ,
تتعدد اللغات و اللهجات و يظل البوح هو البوح. لا أحد يستطيع أن ينكر ما وصلت إليه الأغنية العربية في العقد الأخير من تدن و هذا ينطبق على معظم الدول العربية, و يا للأسف تجد من يمولها و يروجها, فهذا التدهور ترك أثرا حزينا في نفسي, علما أني أنتمي إلى جيل الزمن الجميل, زمن الكلمة الموزونة و الموسيقا الرومانسية الهادئة المتناغمة مع الأداء المميز الرصين... فرداءة الأغنية الحالية جعلتني أدخل في رهان مع نفسي إنني أستطيع كتابة ما هو أحسن من وجهة نظري و بطريقتي,فأنجزت ديوانا يفوق عدد قصائده المائة و لم أفكر بنشره إلا بعدما لقي استحسان العديد من شعراء العامية بمصر و حظي بدراسة نقدية من طرف الشاعر و الناقد المصري عاطف الجندي, كما تم تزكيته من طرف الدكتور أحمد حجازي رئيس المركز الثقافي المصري بالرباط,
س-4 - كيف تقرئين ذاتك الشعرية من خلال الآخرين إن كانوا كتاباً أو قراء أم نقاداً ..؟
ج- يراني الآخرون مثلما أراني, طيف خفيف يمر بسماء الإبداع يأتي معبرا عن المكنون و ما يخالج النفس و الأفكار و يختفي باحثا عن ذاته في خبايا النفس و أغوارها البتول العلوي نقطة بداية نحو عالم المعرفة و الثقافة.
س 5 أنت عضوة فاعلة في مجموعة من الاتحادات والنوادي ,وأيضا مشرفة ومراقبة للعديد من المنتديات الثقافية والأدبية , أولا كيف توفقين بينها وهل بالضرورة أن يكبل الشاعر ذاته في مثل هكذا اطر حتى يعبر عن مكنونه الشعري .. ثانياً ألا تدركين بأن الشعر يرفض تماماً قضية الالتزام والى ما هنالك ..؟ أم ماذا يا البتول العلوي ..؟؟
ج- صحيح انه من الصعب بما كان التوافق ما بين الكتابة التي تحتاج إلى الاختلاء بالنفس وما بين ممارسة الأنشطة الثقافية بكل طقوسها التي لها ما لها و عليها ما عليها من ايجابيات و سلبيات.
لكن على الكاتب أن يتكيف مع كل هذه الأوضاع و إلا من أين له
بالمهارة و التجربة ؟ اللتين لا تكتسبان إلا بالبحث و التنقيب و تبادل الأفكار و الآراء عن طريق الاتصال و التواصل مع أصدقاء الحرف.وخير دليل هو هذا الحوار الذي نحن بصدده الآن و الذي أشكر عليه .
س 6 متى تكونين مهيأة لدخول محراب القصيدة.؟! وما التي تستلهمك برهة الكتابة..؟؟
ج- في كتاباتي القصصية قد لا أحتاج إلى ما يسعف الخيال فمعظمها مستوحاة من الواقع المعاش وكل قصة لها ظروف ميلادها الخاصة بها, أما بالنسبة للكتابة الإيحائية أميل بطبيعتي إلى الجو الرومانسي الهادئ و الاستماع إلى الموسيقا الحالمة. تسحرني لحظة المغيب تجعلني أتسلل إلى أعماقي, أبحث عني و أنتشي عبق ذكرياتي,
س 7 هل بالضرورة أن يبتعد الشاعر عن الوطن ليكتسب صفة الاغتراب .؟فمتى تشعرين حالة الاغتراب وأنت تكتبين الشعر ..؟
ج- اغتراب الذات لا يقل صعوبة عن اغتراب الوطن.أحس حالة الاغتراب حينما تكتبني القصيدة بحبر ذكريات أليمة و حينما يعجز قلمي عن كتابة كلمة لا,فتذوب صرختي في أعماقي, و حينما أرفض مواكبة العصرنة المزيفة و الحضارة المدمرة, ويسكنني الاغتراب و يسبح في شراييني حينما أختلف مع من أحبهم و تمنعني عزة نفسي من مصالحتهم.
س8 كيف تنظرين إلى الأدباء الأكراد..؟ من الواضح انك تتواصلين معهم وقد ترجمت بعضاً من نصوصك إلى اللغة الكوردية ..؟ هل من توضيح ..؟
ج- من مميزات أدباء الكرد الحفاظ على لغتهم الأصلية و عن التراث القديم الذي يميزهم عن باقي الشعوب, الأدب الكردي بأجناسه الثلاث الشعر والخاطرة والقصة يتقدم بخطى ثابتة و واثقة نحو الأفضل و الجيد. على ذكر ترجمة النصوص أشكر و أحيي الكاتب السوري الأستاذ محمد قاسم الذي تفضل بترجمة إحدى نصوصي إلى اللغة الكردمانجيه.
ترجمة النصوص بصفة عامة تعتبر خطوة ايجابية تساهم في نشر الثقافة العربية إلى خارج لغة الضاد, و إلى ما وراء الحدود.
س9 باعتبارك امرأة
وتكتبين " القصة القصيرة " ,كيف تعالجين قضايا المرأة والصعوبات التي تعترض طريقها
في قصصك ,وخاصة أن المرأة في الوطن العربي عموماً تعاني عذابات
كثيرة..فهل تطرحين
هذه المسائل
.
ج-
سؤال وجيه أشكرك عليه
حسين أحمد, كتاباتي المتواضعة بشكل عام لا تخلو من
سرد معاناة المرأة و من أهم
أسباب ابتعادي و لو مؤقتا عن كتابة الخاطرة و توجهي
لكتابة القصة القصيرة هي قضايا
المرأة و همومها التي أعتبرها همومي و التي أصبحت
هاجسا يسكنني كلما مسكت القلم و
الورق, فكثيرة هي الصعوبات و الضغوطات التي تتعرض
لها المرأة في مجتمعاتنا العربية,
فمن منطلق تجربة الفتية مع القصة القصيرة حاولت تسليط الضوء على بعض مما تعانيه
المرأة من تجاهل و خذلان و تنكر و عدم الاعتراف بالجميل و طمس حقوقها المادية و
المعنوية, قد لا تغير الكتابة من الأمر شيئا, لكن يظل أملنا في أن يلقى ما نكتبه
أذان صاغية.
س 10 ديوانك " تداعيات قلب " يضم ( 36 ) نصاً منه( 11) نص مترجم إلى ثلاث لغات أجنبية كـ : (الفرنسية والانجليزية والرومانية ) سؤالي الآن.. ألا ترين بان ديوانك هذا احدث إشكالية لدى القارئ وأرغمته بالتنقل ما بين النص الأصلي والنص المترجم ولذلك من الصعوبة بمكان إدراك شاعريتك بشفافية مطلقة
ج- جعلتني بسؤالك هذا أتذكر شيئا جميلا حصل أثناء توقيع ديواني هذا.كما سلف ذكره التوقيع تم في حفل مهرجان الثقافة الصوفية بفاس الذي يؤمه الزوار من كل بقاع العالم, حينها اقتنعت بان فكرة ترجمة بعض النصوص كانت صائبة, بحيث استمتع عدد كبير من الأجانب الموجودين بقراءة النصوص المترجمة, شيء يحسب للديوان و ليس عليه.
بالمناسبة أشكر و أشد على
أيدي كل
من تفضل يترجمة تلك النصوص, أخص بالذكر الأساتذة
الكرام –منير مزيد فلسطين رومانيا
–ابراهيم درغوتي تونس –الدكتور يوسف شحادة فلسطين
بولندا -نجيب كعواشي المغرب –فوزي
الشلبي الأردن -محمد قاسم سوريا –حسن حجازي مصر. و من النصوص التي
تركت بصمة في مسيرتي
الابداعية المتواضعة نص "عطش" الذي نشر بأنطلوجيا
"قلائد
الذهب الشعرية" للروائي العربي منير مزيد. و بكتاب
الدكتور يوسف
حشادة "بوسع قلبي" و بكتاب المترجم المصري حسن
حجازي. أشكرهم جميعا عل
التفاتتهم الكريمة و تشجيعهم
لي.
س
11لمن تقرئين أكثر
حينما تبحرين في العالم الالكتروني..؟
ج- أفضل القراءة الورقية لسببين أولهما الابتعاد ما أمكن عن شاشة الكمبيوتر المضرة للبصر, ثانيهما إمكانية التنقل أثناء قراءة الكتاب. بدون ذكر أسماء أقرأ لقصاصين و شعراء من مختلف الدول العربية و أجدني مشدودة أكثر للمواضيع الاجتماعية و الإنسانية, بالنسبة للعالم الالكتروني إذا نحن لم نتعامل معه بحذر أثناء إبحارنا, سوف نغرق و يلتهم كل أوقاتنا, و لن يترك لنا فرصة لا للقراءة و لا للراحة.
س 12 بماذا تعلقين على ما تردد عنك في وسائل الإعلام : بالشاعرة " العصامية " ..؟؟
ج- تطلق كلمة العصامية على من يصنع نفسة بنفسه ,يسعدني هذا اللقب أيما سعادة و قد أسند لكبار أدباء العرب و غير العرب
أكتفي بذكر عباس محمود العقاد مصر, محمد شكري المغرب و شارل بودلير فرنسا, فهذا شرف لي ما بعده شرف أن يجمعني
بهؤلاء الأدباء العباقرة لقب العصامية.
س13 ماذا بعد " تداعيات قلب " و" بوح الهوى " ما هي مشاريعك الكتابية القادمة يا البتول العلوي وهل من جديد ..؟
ج- يظل القلم ينزف مادام القلب ينبض, ديوان لمجوعة قصصية
سيرى النور قريبا إن شاء الله.