مزيج الطاقة عالمياً ومحلياً: الواقع وفرص التنوع
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تعد مسألة الطاقة من أهم المسائل التي تدخل في أغلب مجالات الحياة البشرية، على المستوى المحلي الدولي، إذ إن لها علاقة وثيقة بذاتية السلع والخدمات، من خلال استخدام الطاقة في تكوينها، من جانب، ولها اتصال مهم بالمصالح الاستراتيجية بالنسبة للأطراف التي تتعامل بها سواء كانت منتجة أو مصدرة ومستهلكة أو مستوردة أو مسوقة، من جانب آخر.
تمتلك أغلب الدول المصدرة للنفط الكثير من أنواع الطاقة وبقسميها الناضبة (الاحفورية) والمتجددة إلا إنها لا تزال تعاني من عدم تنوع مصادرها ومزجها بالشكل الأمثل الذي يكفل استدامة الطاقة الناضبة لأطول مدة ممكنة من ناحية وعدم هدر الطاقة المتجددة من ناحية أخرى، بل تعتمد على النفط بشكل أحادي وهذا ما تسبب في ظهور مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، في ظل غياب الإدارة الكفوءة وضعف الإرادة الحقيقية وفقدان البعد الاستراتيجي.
مزايا مزيج الطاقة
إن اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجددة ولو بشكل محدود أي الاعتماد على أنواع محدودة من مصادر الطاقة المتجددة، وبشكل حقيقي، من خلال الإنشاء والإنتاج واستمرار الصيانة ومتابعتها، إذ إن الاستخدام الحقيقي سيفضي إلى تقليص التكاليف وسرعة الانجاز وعدم هدر الوقت. أن المزيج البسيط للطاقة سيحقق العديد من المزايا للبلد الذي يعتمده، حيث تتمثل (المزايا) في تحقيق الاستقرار المالي والتخفيف من الضغط على الطاقة الناضبة واستدامتها لأطول مدة ممكنة، وتقليص التلوث البيئي الناجم عن زيادة الضغط على الطاقة الناضبة، وتحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الأجيال الحالية والمستقبلية.
وما يحتم ذلك اللجوء، اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجددة وتحقيق المزج للطاقة، هو إن الطاقة الناضبة هي ثروة عامة للجميع، كذلك أن الطاقة المتجددة هي ثروة عامة للجميع أيضاً، فمن غير المنطق أن تتمتع الأجيال الحالية بالثروة النفطية الناضبة على حساب حقوق الأجيال اللاحقة منها، كما إنه من غير المنطق أيضاً إلا تتمتع الأجيال الحالية ببيئة نظيفة خالية من التلوث البيئي، الناجم عن الإفراط في الاعتماد على الطاقة الناضبة، مع توفر الطاقة المتجددة بشكل كبير. وإن التطور الذي وصل إليه الاقتصاد العالمي في مسألة مزيج الطاقة، الذي سنشير إليه لاحقاً، يؤكد ويقرر مدى أهمية مزيج الطاقة.
مزيج الطاقة العالمي إنتاجا واستهلاكاً
نلاحظ من خلال النظر إلى إحصاءات الطاقة العالمية الرئيسية، إن الاقتصاد العالمي متجه نحو تحقيق التنوع في استخدام مصادر الطاقة ومزجها، إنتاجا واستهلاكاً وكما موضح أدناه:
- فعلى مستوى الإنتاج
كان إجمالي إمدادات الطاقة الأولية في العالم بالوقود بالنسبة لعام 1973 تتشكل من مصادر الطاقة والنسب الآتية: النفط 46.2%، الفحم بالإضافة إلى الزيت الصخري 24.5%، الغاز الطبيعي 16.0%، الوقود الحيوي والنفايات 10.5%، الإمدادات المائية 1.8%، الإمدادات النووية 0.9%، ولم تنتج الأخرى (الحرارة، والطاقة الشمسية الحرارية، والطاقة الحرارية الأرضية)، لكن تغيرت نسب هذه الإمدادات لتكون أكثر امتزاجا وتنوعاً وأصبحت في عام 2015 تتشكل وفقاً للنسب الآتية: انخفاض نسبة إمدادات النفط إلى 31.0%، ارتفاع نسبة الفحم إلى 28.1%، ارتفاع نسبة الغاز الطبيعي إلى 21.6%، انخفاض الوقود الحيوي والنفايات إلى 9.7%، ارتفاع نسبة الإمدادات المائية إلى 2.5%، كذلك ارتفاع النووية إلى 4.9%، ومشاركة الإمدادات الأخرى بنسبة 1.5% بعد لم تكن حاضرة في عام 1973، وهذا ما يدلل على تحقق نوع من مزيج إنتاج الطاقة.
- على مستوى الاستهلاك،
كان الاستهلاك النهائي العالمي من الوقود في عام 1973 يتشكل حسب مصادر الطاقة والنسب الآتية: النفط 48.3%، الغاز الطبيعي 14.0%، الفحم بالإضافة إلى الزيت الصخري 13.5%، الوقود الحيوي والنفايات 13.1%، والكهرباء 9.4%، والأخرى (تشمل الحرارة، والطاقة الشمسية الحرارية، والطاقة الحرارية الأرضية) لكنه (الاستهلاك) أصبح أكثر مزيجاً في عام 2015 حينما أخذت النسب أعلاه تتغير على النحو الآتي: انخفاض نسبة النفط إلى 41.0%، ارتفاع نسبة الغاز الطبيعي إلى 14.9%، انخفاض الفحم بالإضافة إلى الزيت الصخري إلى 11.1%، انخفاض الوقود الحيوي والنفايات إلى 11.2%، وارتفاع الكهرباء إلى 18.5%، وارتفاع الأخرى( تشمل الحرارة، والطاقة الشمسية الحرارية، والطاقة الحرارية الأرضية) إلى 3.3%[i] من حجم الاستهلاك النهائي العالمي.
إن النسب أعلاه تشير إلى نقطتين مهمتين هما:
الأولى وهي على مستوى الإنتاج، هناك تطور كبير في مزيج الطاقة وتنوع المصادر فمن جانب حصل تطور كبير على مستوى الطاقة الناضبة، حيث انخفضت مساهمة النفط، التي كانت تمثل النسبة الأكبر في عام 1973، مقابل ارتفاع نسبة الفحم والغاز الطبيعي والإمدادات المائية والنووية في عام 2015. ومن جانب آخر حصل مزيج ما بين أنواع الطاقة الرئيسية حيث لم تسهم الطاقة المتجددة في عام 1973 لكنها كانت حاضرة للمساهمة في إمدادات الطاقة عام 2015.
الثانية وهي على مستوى الاستهلاك، هناك تحسن كبير في مزيج الطاقة فعلى مستوى الطاقة الناضبة كان النفط يحتل حصة الأسد في الاستهلاك في عام 1973 ولا يزال يحتل المرتبة الأولى لكنها (حصة النفط) انخفضت في عام 2015 لصالح المصادر الأخرى وخصوصاً الغاز الطبيعي والكهرباء. أما على مستوى الطاقة المتجددة فقد نلحظ تحسناً واضحاً ما بين عاميّ 1973 و2015، وهذا ما يصب في مصلحة تحسن مزيج الطاقة العالمي.
مزيج الطاقة محلياُ
- الواقع الحالي
من بين الدول التي لديها ثروات هائلة في مجال الطاقة بقسميها وتفرعاتها ولم تعمل، بل ولم تسعى للتفكير في إيجاد توليفة مثلى تمزج ما بين أنواع الطاقة وتوظيفها بالشكل الذي يحقق الاستقرار والاستدامة والرفاه لإفرادها، هو العراق إذ لا يزال يعتمد على الطاقة الناضبة، وحتى في ظل اعتماديته على الطاقة الناضبة لم يحاول إيجاد نوع من التوازن في استثمار أنواع الطاقة الناضبة نفسها، إي عدم استثمار أنواعها الأخرى بشكل حقيقي، بل يعتمد على النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير جداً، ليس هذا فحسب، وإنما هناك سوء إدارة لهذه الطاقة المعتمد عليها وبالخصوص الغاز الطبيعي، إذ لا يزال يتم هدر الكثير منها من خلال حرقها وعدم استثمارها بالشكل الأمثل.
حيث ذكر ملخص إحدى الدراسات الصادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدر للبترول (اوابك) بأن العراق يُعد من الدول الأكثر حرقاً للغاز في دول العالم حيث ارتفعت الكميات المحروقة من 7.1 مليار متر مكعب/السنة في عام 2005 إلى 10.3 مليار متر مكعب/السنة في عام 2012 حسب ما أشارت إليه ملخص الدراسة[ii].
وفيما يخص الطاقة المتجددة، " إن أكثر من 90% من إجمالي الطاقات القصوى لصافي قدرات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بالدول الأعضاء، يتركز في ثلاث دول هي مصر والعراق وسوريا، وتشكل الطاقة الكهرومائية النسبة الأكبر من إجمالي الطاقات المتجددة بالدول الأعضاء، حيث بلغ إجمالي الطاقة الكهرومائية المنتجة بالدول الأعضاء في عام 2014 حوالي 7163 ميغاواط، أي بحصة بلغت حوالي 85.7% من إجمالي الطاقات المتجددة المنتجة" [iii]. في حين تشير وزارة الكهرباء في تقريرها السنوي لعام 2016 إن مساهمة الطاقة الكهرومائية في مجموع إنتاج الطاقة الكهربائية البالغة 10502 ميغاواط في 2016، هي 3.66%[iv] وهذه نسبة صغيرة جداً مقارنة بالنسبة المذكورة أعلاه ومقارنة بالمقومات المتاحة اللازمة لإنتاج الكهرباء في العراق.
هذه النسبة (3.66%) تؤكد على عدم استثمار الطاقة الكهرومائية بشكل خاص، بالشكل الأمثل، وإن استيراد العراق للطاقة الكهربائية حسب ما أشارت إليه وزارة الكهرباء في تقريرها السنوي، حيث شكلت الطاقة المستوردة 13% من مجموع الطاقة المنتجة، تدلل على عدم استثمار الطاقة سواء الناضبة أو المتجددة بشكل عام، بالشكل الأمثل ايضاً.
- فرص التنوع
العراق يمتلك الكثير من مصادر الطاقة، ولكن سنشير إلى أبرزها لاستيضاح مدى توفر الفرص لتنوع مصادر الطاقة ومزجها بالشكل الأمثل الذي يسهم في تحقيق الفائدة القصوى للبلد، فعلى مستوى الطاقة الناضبة، يحتل العراق المرتبة الثالث عشر عالمياً والرابعة عربياً في احتياطي الغاز الطبيعي في عام 2016، عندما بلغ 3،819.9 مليار متر مكعب [v] إلا إنه لا يزال لم يستثمره بالشكل الأمثل، سواء من حيث تقليص الهدر أو من حيث المزج مع النفط.
أما بالنسبة للطاقة المتجددة، فكما ذكرنا آنفاً، يعتمد بنسبة معينة على الطاقة المستمدة من المياه كنتيجة لتوفر الشلالات والمساقط المائية والسدود، ومع ذلك إنه لا يزال لم يلبي الحاجة المحلية من الطاقة، وهذه الحاجة تعد بمثابة أحدى فرص التنوع، كذلك يمكن اللجوء إلى الطاقة الشمسية بشكل حقيقي، التي لم تستخدم إلا بشكل بسيط جداً ولم يترك هذا الاستخدام أثراً واضحاً في مزيج الطاقة المحلي، مع العلم أن العراق تتوفر فيه الأشعة الشمسية بشكل مركز ولمدة طويلة، تمثل أحد العناصر الرئيسية المكونة للطاقة، فضلاً عن طاقة الرياح والنفايات والكتل الحيوية حيث لم يستخدم أيٍ منها مع توفرها.
ففي ظل الحاجة إلى الطاقة وعدم تلبيتها بل واستيرادها من الخارج، من ناحية وتوفر العناصر المهمة لإنتاج الطاقة الناضبة والمتجددة، من ناحية أخرى، لابد من اللجوء إلى تذليل العقبات التي تقف حائلاً من استثمار مصادر الطاقة المتاحة المتنوعة، الناضبة والمتجددة، حتى يتم تحقيق مزيج الطاقة الأمثل، وتحقيق كل المزايا التي تنجم عنه، كالاستقرار المالي الذي لم يتحقق في ظل غياب المزيج والاعتماد على مصدر واحد، استدامة الطاقة الناضبة لأطول مدة ممكنة بفعل تقليل الضغط عليها عند تحقق المزيج الأمثل، وتوفير بيئة نظيفة تتقلص فيه الملوثات الناجمة عن زيادة الضغط على النفط، تحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الأجيال.
وسوم: العدد 757