شروط النهضة من البنا لمالك بن نبي
نحن هنا أمام شخصيتين قلما يجود الزمان بمثلهما .
الأول يجمع بين عمق الفكر وأصالة مرجعيته الإسلامية وبين القيادة والحركة والتنظيم .
والثاني واحد من أعلام المفكرين الذين أنجبتهم الأمة قي القرن العشرين ومن أكثرهم عمقاً وقدرة على التحليل والتشخيص ، وممن جمع بين أصالة الفكر الإسلامي وخبرة الغوص في عمق الحضارة الغربية.
سنكشف في هذا المقال كم كان فكرهما متسقاً لحد التطابق برغم أنهما لم يلتقيا .
فالأول ولد في مصر عام 1906 ولم يغادرها سوى للحج ثم الجهاد في فلسطين واستُشهِد عام 1948، والثاني ولد بالجزائر عام 1905 وأكمل تعليمه في فرنسا وتزوج من فرنسية وأقام بفرنسا زمناً ، ثم أقام فترة في مصر، ثم عاد للجزائر وتوفي فيها عام 1973 .
وبرغم أن "البنا" لم يسعفه العمر للاطلاع على فكر "بن نبي"، وبرغم أن "بن نبي" ذكر في الفصل الخامس من كتابه (وجهة العالم الإسلامي) أنه لا يملك ما يكفي من الأسانيد والوثائق الكافية لدراسة فكر "البنا" .
فقد قال عن الإمام "البنا" في الكتاب نفسه :
(ولقد ظفرت الحركة بزعيم لم يكن فيلسوفا أو عالم كلام ، فقد اكتفى بأن بعث في الناس إسلاماً خلع عنه سدول التاريخ ، وما كان له من نظرية يركن إليها سوى القرآن نفسه ، ولكنه القرآن الذي يحرك الحياة.)
امتد فكر مالك بن نبي زمناً وجُمِع في أكثر من ثمانية عشر كتاباً، غاص فيها في عمق مشكلات المجتمع الإسلامي، يشخص الداء ويصف العلاج.
وعلى طريقته الهندسية وبحكم مهنتنا المشتركة استخلصت من مجموع ماكتبه تلك المعادلة التي تختصر فكرته للنهضة وهي :
وإذا انتقلنا إلى الإمام البنا وفكرته حول نهضة الأمة الإسلامية فيقول بكل حسم ووضوح في رسالة (دعوتنا بين الأمس واليوم) :
( الوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة : الإيمان العميق + التكوين الدقيق + العمل المتواصل .)
لاحِظْ أن كليهما وضع شروطاً عامة تصلح لنهضة أي أمة.
وحين تربط معادلة مالك بن نبي لشروط النهضة مع شروط الإمام البنا تجدهما متطابقتين :
بل الشعار الذي رفعه الإمام البنا يتطابق مع معادلة النهضة لمالك بن نبي :
الله غايتنا (أقوى الدوافع)
الرسول قدوتنا والقرآن دستورنا (أقوم التوجيهات).
الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا (أنشط الحركات).
هذه محاولة للتأكيد على شروط نهضة أمتنا ، ومحاولة لاكتشاف الطريق من خلال عَلَمين من أعلام النهضة.
حاولت أن أقترب فيها من مستوى الرجلين في التركيز ووضع متن (أظنه غير مسبوق) قد يأتي من يزيده شروحاً .
وسوم: العدد 759