الأحرارُ و الزنكي: خطوةٌ مفصليّة نحو المحليّة
في يوم الأحد: 18/ 2/ 2018، تعلن حركتا أحرار الشام، و نور الدين الزنكي، اتحادهما في كيان ثوري، يكون حسن صوفان ( قائد الأحرار ) قائدًا عامًا له، و ينوب عنه الشيخ توفيق شهاب الدين ( قائد الزنكي )، و يرأس حسام أطرش ( الزنكي ) مكتبَه السياسي، و النقيب خالد العُمر، أبو اليمان السحارة ( حركة مجاهدي الإسلام ) مكتبَه العسكري.
يرى المراقبون أنّهما بحسب ما جاء في إعلان هذا التشكيل ابتداءً من دلالة اختيار الاسم ( جبهة تحرير سورية )، و مرورًا بمضامين البيان، تكون الحركتان، قد خطتا خطوةً مهمة، لا بلْ مفصلية، في تاريخهما الثوريّ.
فبعد أن كانتا تصنفان على أنّهما حركتان سلفيتان جهاديتان، ذواتا أبعاد تتعدّى الحدود الجغرافية السورية، ذات الـ ( 185 ) ألف كم2، و ذلك اعتمادًا على التسمية لهما، فالأولى كانت تنسب إلى ( الشام ) ذات الإسقاطات الدينية المعروفة لبلاد الشا، و الثانية بما تشي به التسمية بالقائد الأيوبي نور الدين الزنكي الأيوبي، الذي تعدّت حدود دولته الإطار الجغرافي حتى لبلاد الشام الطبيعية، إلى مصر و العراق.
ناهيك عن المضامين التي لم يخفها بيان تأسيسهما الأول، فمشروع الأمة كان غاية الأحرار، و هو معلن من غير مواربة عند الزنكي أيضًا.
و لا أدلّ على ذلك عن اتخاذ كلٍّ منهما راية لهما لا تمتّ بصلة لراية الثورة ( علم الاستقلال )، و مناكفتهما فصائل الجيش الحرّ، و رفضهما القبول بالأجسام التي تمثِّل الثورة بين الحين و الآخر، كالمجلس الوطني، أو الائتلاف، أو الحكومة المؤقتة.
و حتى ما كان يعقد من مؤتمرات، أو لقاءات: محلية، أو إقليمية، أو دولية، كانتا تنأيان بأنفسهما عنها؛ خشية أن تصيبهما لوثة الوطنية، التي أصبحت لدى الفصائل الجهادية السلفية، وثنًا يجب هدمُه، و طرحُه أرضًا، و محاربتُه كلما سنحت الفرصة.
صحيح أن الزنكي كانت قريبةً من المحلية أكثر في مبتدأ الأمر، غير أنّ انخراطها مع النصرة في هيئة تحرير الشام، جعلها على قدم المساواة مع الأحرار، التي كان مبتدأ الأمر عندها ذا نزعة قاعدية غير مغطاة بأية غربال.
يذكرُ للحركتين أنهما قبل هذه الخطوة قد اتخذتا خطوة تمهيدية ( على انفراد )، تتجهان بها نحو المحلية ( غير الوطنية )، عندما قامتا بمراجعة شاملة للمنهج الفكري، الذي كانتا تعيشان في ظلاله إلى ما قبل سنة لا بل أشهر من الآن، و ذلك عندما ابتعدتا عن تأثير فكر القاعدة بشكل لا رجعة عنه.
و هي خطوة على أهميتها غير كافية، إذْ طالما بقيتا في إطار المحلية ( غير الوطنية )، حيث كانت تذهبان في مشروعهما إلى أدلجة الثورة، و أسلمة الدولة على حساب الفصائل و التجمعات الأخرى، الشريكة لها في الثورة.
و يذكر عليهما في هذا الصدد، رفضُهما القبول بالمرجعيات، التي نشأت في الثورة، سواءٌ منها السياسية أو العسكرية، لا بلْ حتى الشرعية، كالمجلس الإسلامي، الذي انضوى تحت مظلته كل ما عداهما، و عدا تفرّعات تنظيم القاعدة في سورية، و لم ترضيا بمظلته إلاّ في أوقات متأخرة، و على استحياء و خوف من ردّة فعل حواضنهما، المتأثرة بالإطار الفكري القاعدي.
إنّ ما جاء في بيان اتحادهما في جسم واحد تحت مسمّى ( جبهة تحرير سورية ) بهذا المنطوق، ليشي بعمق، إيلاءَها الجانب المحلي، ذا البُعد الذي تلتقي فيه مع الفصائل المحلية الأخرى، و تعلنان تباينهما الصريح عن المشاريع العابرة الحدود.
و بإعلانهما أنهما لبنة في بناء سورية، و لا ترغبان بالانفراد، و الاستئثار بالقرار السياسي أو الثوري، تكونان قد أقرتا بحق الآخرين، في المشاركة معهما على قدم المساوة في التفكير و العمل لإعادة بناء سورية، ذات التعددية: سياسيًا، و دينيًا، و طائفيًا، و عرقيًا.
و إنّهما برفضهما مبدأ التغلّب، و إدانتهما أسلوب البغي على الفصائل الأخرى، تكونان قد حددتا من غير مواربة، الجهةَ التي لا تلاقي معها بعد هذا البيان.
و إنّهما بالإعلان عن القيام بهذه الخطوة استجابة لمطالب الشعب ( و ليس الأمة )، و لمبادرة المجلس الإسلامي السوري، تكونان قد حددتا المرجعية لهما، فالشعب ( السوري الثائر ) على اتساع التسمية مرجعيتهما السياسية، و المجلس الإسلامي بتنوع و تعدّد أطيافه الشرعية المحلية و بمحليته غدا مرجعيتَهما الشرعية.
و إنّهما بدعوتهما الفصائل الأخرى للانضمام إلى هذا الجسم الثوري، تكونان قد وقفتا على قدم المساواة مع عموم الفصائل، التي تتفق معهما في الرؤى و الأهداف.
و غير خافٍ لدى الحواضن الشعبية، الفصائلُ التي تتجهان بهذا النداء إليهما، إذ إنّ معركة شرق إدلب، و ما نتج عنها من غرف العمليات، قد أبانت بشكل جليّ هويتَها و مسمياتها.
وسوم: العدد 760