لا يمكن اعتبار التحذير من اقتصار التدين على شهر رمضان إحباطا وتثبيطا للعزائم
استرعى انتباهي مقال للدكتور جواد مبروكي المختص في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي نشر على موقع هسبريس تحت عنوان : " مبروكي ينتقد إحباط ظاهرة التدين عند المغاربة في رمضان " تناول فيه موضوع ما سماه انتقادات هدامة، ومزعجة ،وذات مخاطر توجه إلى المقبلين على التدين في رمضان خصوصا فئة الشباب من قبيل وصفهم بالمصلين الجدد ، ووصف أدائهم صلاة التراويح بالموضة ، والقول بأن تدين هؤلاء ينتهي بنهاية شهر الصيام ، أو ما يعبر عنه بعبارة عامية تجري مجرى المثل " سبعة أيام دلباكور دبا دوز " إشارة إلى قصر مدة بواكير شجر التين وبضرب هذا المثل لكل عمل سرعان ما ينتهي ويزول . واعتبر صاحب المقال أن مثل هذه الانتقادات ترسخ الفشل عند الشباب المتدين ، وتحبط تجربة تدينه . ويرى أنه يجب أن يشجع هؤلاء ، وتبارك تجربة تدينهم التي تفتح أمامهم آفاقا لتقوية قدراتهم الروحية عبر تجربة عبادة الصيام .
لا أحد يختلف مع صاحب هذا المقال في أن هذه الانتقادات يجب ألا توجه إلى أي شخص أقبل على التدين في شهر رمضان سواء كان شابا أو كهلا أو حتى شيخا ما دام الله عز وجل يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، وقد تفضل سبحانه وتعالى على خلقه بفرصة المغفرة والعتق من النار في شهر الصيام . وكم من تائب توبة نصوحا بدأت توبته في شهر الصيام، واستمرت بعد ذلك . ولا توجد فرصة للتوبة النصوح أفضل من فرصة رمضان ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي حديث آخر : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ، ومن شأن هذين الحديثين أن يحفزا كل إنسان على التوبة ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر. ورواد المساجد في رمضان كلهم ضيوف الرحمان ليس من حق أحد طردهم من ضيافته أو انتقادهم حين يرتادون بيوت الله عز وجل بكثافة في رمضان بل يجب أن يشجعوا على ذلك ، ويحمد الله عز وجل أن هداهم لذلك .
وفي المقابل لا أحد يسمح بغض الطرف عن ظاهرة اقتصار التدين عند بعض الشرائح على شهر الصيام فقط حتى لا تصير عبادة رمضان صياما وقياما مجرد عادة أو مجرد تقليعة . ومن الواجب على كل مسلم أن يحذر أخاه من ترك عبادة الصلاة إذا من انقضت أيام رمضان ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الدين النصيحة ثلاثا ، قالوا : لمن يا رسول الله ، قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ". ولا خير في قوم لا يتناصحون ولا يقبلون النصيحة كما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومنهج القرآن الكريم والسنة النبوية هو المزاوجة في الدعوة إلى الله عز وجل بين الترغيب والترهيب ، ذلك أنه بقدر ما نرغب الشباب وعموم المسلمين في عبادة رمضان صياما وقياما، نحذرهم من الاقتصار على عبادة الصلاة في رمضان فقط ، وتركها إذا ما انفرطت أيامه . ولا يستقيم المؤمن إلا إذا راض نفسه بين الترغيب والترهيب.
وإذا كان صاحب المقال قد أشار إلى مظاهر التدين في رمضان حيث تغص المساجد في رمضان ، ويتلى القرآن الكريم ،ويكثر الدعاء ،وتتابع الدروس والبرامج الدينية ، وتتغير بعض السلوكات ، ويقلع عن بعض الآفات كالمخدرات... وهو أمر ملموس لا يمكن التشكيك فيه ، فإنه في المقابل لا يمكن إنكار هجران أعداد معتبرة من المصلين المساجد بعد رمضان حتى أن صلاة الصبح في معظم المساجد لا يفوق فيها عدد المصلين صفا واحدا أو صفين على الأكثر خلاف ما تكون عليه أثناء هذه الصلاة في شهر الصيام . ولا يمكن اعتبار هذه الملاحظة تثبيطا لعزائم المصلين الذين يهجرون المساجد بعد رمضان.
ومعلوم أن الحكمة من عبادة الصيام قد وردت في قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات)) . وتقوى الله هي صيانة المسلم نفسه من سخط وغضب الله عز وجل عن طريق الطاعة أمرا وانتهاء . وطاعة الله عز وجل لا تقتصر على شهر رمضان دون سواه خصوصا وأن عبادة الصلاة جعلها الله عز وجل عبادة طيلة أيام السنة مصداقا لقوله عز من قائل : (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )) بأسلوب توكيد .
و يخشى أن يكون السكوت عن ظاهرة ترك الصلاة إذا انقضت أيام رمضان تشجيعا عليها وتكريسا لها ،وهو أمر حذر منه الله عز وجل بقوله : (( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )) وهو سهو يحصل من بعض الناس شبابا وغيرهم إذا ما فات رمضان .
وأخيرا نقول للذين يقبلون على المساجد في رمضان هنيئا لكم، ولكن إذا هجروها بعد رمضان نعاتبهم ونلومهم ونحذرهم من مغبة ذلك ، ونسدي لهم النصح بالتي هي أحسن ، ولا نقنطهم من رحمة الله عز وجل ، وفي المقابل لا يجب عليهم أن يأمنوا عقابه إن هم تراخوا في أداء واجباتهم الدينية بعد انصرام أيام رمضان.
وسوم: العدد 774