ألا يطعن احتمال فبركة الفيديوهات في حجيتها عند التقاضي بين المتقاضين؟
من الظواهر الطارئة على مجتمعنا المغربي بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة الفيديوهات التي تصور عمليات اعتداء أو جرائم مختلفة. ولا تكاد السلطة الخامسة، وهي وسائل التواصل الاجتماعي تتناقل هذا النوع من الفيديوهات حتى تتحرك السلطة التنفيذية بأسرع ما يمكن لمطاردة الجناة وإحالتهم على السلطة القضائية لينالوا جزاءهم . وقد شهدت بلادنا نماذج من هذه الفيديوهات تصور عمليات اغتصاب أو اعتداء أو الشطط في استعمال السلطة... إلى غير ذلك من أنواع الجنايات التي تقع في أماكن عمومية فيسجلها الجناة أنفسهم أو يسجلها بعض شهود عيان من المارة .
والملاحظ أن القضاء عندنا بدأ يأخذ في الاعتبار هذه الفيديوهات ، ويعتمدها كوسيلة إثبات لها حجيتها في الإدانة والحكم . ولم تعد الفيديوهات المسجلة في الأماكن العمومية وحدها موضوع المساءلة أمام العدالة بل حتى الفيديوهات المسجلة في الأماكن الخصوصية كما هو الشأن في قضية مدير جريدة أخبار اليوم المتابع أمام القضاء بسبب فيديوهات مصورة في مكتبه، وهي منسوبة إليه ، وتتضمن مشاهد ولقطات قيل أنها عبارة عن اغتصاب موظفات يعملن في الجريدة واستغلالهن جنسيا ،الشيء الذي يعتبر جريمة تسمى بالمتاجرة في البشر.
والملاحظ أن هذه الفيديوهات المصورة في مكان خاص تم التعامل معها كالفيديوهات المصورة في مكان عمومي مع أن الرأي العام لم يطلع عليها ولم يتداولها ، وإنما اطلعت عليها الشرطة والعدالة والمتهم والمشتكيات والذين يتولون الدفاع عنهم من المحامين .
والسؤال المطروح هل يوجد قانون يسمح لأجهزة الأمن أن تقتحم على المواطنين حياتهم الخاصة ، وتصادر فيديوهاتهم التي تصور أحوالهم الشخصية الخاصة بهم مهما كانت طبيعتها . ولا ندري كيف وصلت أجهزة الأمن إلى فيديوهات مدير الجريدة ، فهل دلتها عليها المشتكيات ؟ فإذا كان الأمر كذلك، فهل كن على علم بتسجيلها أم أنهن أخبرن بذلك أو هددن به أو تمت مساوتهن بغرض بابتزازهن بشكل أو بآخر؟ المهم هو كيف وصلت أجهزة الأمن إلى هذه الفيديوهات ؟ ولا ندري هل تم الكشف عن كيفية الوصول إليها أمام القضاء أم لا ؟ وهل كان الوصول إليها بأمر من القضاء ؟
ويوجد خلاف بين المتهم والمشتكيات وبين من يتولى الدفاع عن هذا الطرف أو ذاك بخصوص صحة أو فبركة الفيديوهات بحيث انتهى الأمر إلى مطالبة القضاء بعرضها على الخبرة للتأكد من صحتها أو فبركتها لتكون ذات مصداقية ولها حجيتها .
ومعلوم أن فبركة الفيديوهات صارت أمرا مألوفا ، ذلك أن بعض الفبركة تكون مكشوفة من السهل على الجميع اكتشافها إلا أن البعض الآخر يتطلب خبرة لا تتوفر إلا عند أهل الاختصاص . ونظرا لصعوبة الكشف بسهولة عن عملية فبركة الفيديوهات، فإن اعتماد القضاء لها دون التأكد من صحتها عن طريق الخبرة المتخصصة يعتبر مجازفة بمصير المواطنين .
واعتماد القضاء الفيديوهات الخاصة والمصورة في غير الأماكن العمومية ، وغير المتداولة بين المتواصلين على الشبكة العنكبوتية قد يفتح الباب على مصراعيه أمام المواطنين لاستغلالها من أجل ابتزاز بعضهم البعض أو تصفية الحسابات فيما بينهم أو الانتقام من بعضهم البعض أو غير ذلك من الدوافع والنوايا غير المعلنة .
و لهذا يتعين على القضاء أن يتريث في موضوع اعتماد الفيديوهات كوسائل إثبات ما لم يحصل عليها بطريقة يسمح بها القانون ، وما لم تكن مراعية لقواعد وضوابط احترام حقوق الإنسان ، وخصوصية المواطنين ومراعاة حرمة حياتهم الخاصة ،لأن ذلك من حقوقهم التي تقرها الشرائع السماوية والوضعية على حد سواء، ذلك أن شريعتنا الإسلامية السمحة تحرم التجسس على الغير ، و تمنع اقتحام البيوت على أصحابها للإطلاع على أحوالهم الشخصية والخاصة بهم . ويجدر بالقضاء عندنا أن يجعل هذه الشريعة مصدرا من أهم المصادر المعتمدة في إصدار أحكامه . ولا يجوز في شريعتنا أن يحاسب من استتر ولم يجهر بالمعصية ، كما أنه لا يجوز لغيره أن يكشف عنه ستره الذي ستره به الستّار سبحانه وتعالى .
وعلى السلطة التشريعية عندنا أن تجتهد لمواجهة ظاهرة الفيديوهات التي صارت تقود الناس إلى قاعات المحاكم ، وتشدد في تشريعها حتى لا تدع مجالا لتوظيف هذه الفيديوهات التوظيف المغرض الذي يعود بالضرر على المواطنين .
وسوم: العدد 776