القرآن والعابثون الجدد
شهد العالم العربي والإسلامي خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي صحوة إسلامية واسعة ، بلغ من تأثيرها وانتشارها أن بعض الباحثين توقعوا انتشار الإسلام في العالم أجمع خلال سنوات قليلة لا تزيد عن نصف قرن!
وكما كان متوقعاً فقد نبهت هذه الأخبار أصحاب القرار في العالم، وأوقعت في قلوبهم الرعب من عودة الإسلام، فاستنفر الأعداء وراحوا يخططون لمواجهة هذه الصحوة وإفشالها، قبل أن تستوي على سوقها، ويستحيل قطع الطريق عليها !
وهكذا بدأ التخطيط والتنفيذ ..
فبدأنا نسمع لأول مرة مصطلحات جديدة، بدات في التسعينات بطرح فكرة "الشرق الأوسط الجديد" الذي اتسم ببعد إقليمي يتجه نحو تطبيع العالم العربي والإسلامي مع القيم الغربية العلمانية، بهدف تغييب الوعي الإسلامي، وكسر كل ما يمنج المسلمين سنداً في المناعة والمقاومة والأصالة ووحدة الكلمة، وتمييع مواقفها السياسية المصيرية في القضايا العقائدية وحقوق الأرض والعرض ( وأبرز مثال قضية القدس وفلسطين) !
وبعد حادثة ١١ سبتمبر 2001 بدأت المرحلة الثانية من المخطط المعادي للصحوة؛ فجاءت مؤسسة راند (RAND) الأمريكية التي تمثل العقل الفكري الغربي، فوضعت خطة شيطانية لمواجهة الإسلام، وقدمتها لأصحاب القرار في الغرب تحت عنوان ( الإسلام المدني الديمقراطي .. الشركاء والممولون ...) وقد طرحت في هذه الخطة صورة لإسلام بديل يستهدف اختراق الاسلام، واستبداله بإسلام جديد، يحقق مصالح الغرب الاستراتيجية !
ذاك ما حصل في الغرب ..
ثم رأينا هنا في الشرق .. في قلب الوطن العربي .. في مصر .. من يلتقط الفكرة اشيطانية ويبدأ بالتنفيذ على الفور؛ وهذا ما فعله "مركز ابن خلدون" الذي يديره "سعد الدين إبراهيم" أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية الذي نظم مؤتمراً كبيراً بتمويل أمريكي بعنوان "الإسلام والإصلاح" بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية ومنبر الحوار الإسلامي، وقد انتهى المؤتمر إلى عدد من التوصيات أبرزها :
1 - الاستغناء عن السنة النبوية .
2 – ضرورة إعداد تفسير للقرآن الكريم تفسيراً جديداً عصرياً بعيداً عن كل التفاسير التقليدية أو الجامدة ( حسب وصف المؤتمرين) !
ثم جاءت المرحلة التالية وهي تنظيم مؤتمرات إعلامية كبيرة لمنح الجوائز إلى الذين يقومون بهذه المهمات، فحصل الكاتب المصري "يوسف زيدان" على عدد من الجوائز لقاء تشكيكه بحقيقة "القدس" ومكانتها في الإسلام، وتشكيكه بقصة "الإسراء والمعراج" التي وردت في القرآن الكريم ، ونظم مؤتمر إعلامي كبير في الإمارات العربية لمنح المهندس السوري "محمد شحرور" جائزة كبيرة لقاء كتبه التي عبث فيها بكتاب الله، وأحل فيها كل المحرمات !!؟
وفي المرحلة التالية طلع علينا الباحث الأمريكي "جون الترمان" مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فأصدر دراسته بعنوان "اللبراليون الجدد .. عمالة تحت الطلب" الذي لفت فيه نظر أصحاب القرار في الغرب إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به النخب اللبرالية العربية في مواجهة الصحوة الدينية !
وهكذا بدأت تظهر ملامح الاستراتيجية الغربية لضرب الإسلام، وظهر موضع أدعياء التجديد العرب من هذه الاستراتيدية التي لم تعد تستهدف وقف الصحوة الإسلامية وحدها، بل ضرب الإسلام نفسه !!؟
وقد أثبتت الأيام التالية أن ثلة من اللبراليون العرب قد قبلوا المشاركة في هذه الخطة التي تستهدف أدلجة المنطقة العربية خاصة، باعتبارها حضن الإسلام، وحاملة رايته، وتستهدف غسل أدمغة الأجيال الجديدة، من خلال هذه الخطة الاستراتيجية التي هي ذات بعدين فكري وسياسي معاً، فهي في الحقيقة خطة سياسية لكن أدواتها فكرية، فقد أدرك أعداء الإسلام أن المنطقة العربية يجب أن تؤدلج من جديد وأن تغسل عقول الأجيال القادمة من أجل الرضوخ والتطويع والتطبيع لما هو قادم من سياسة الغرب ومن في ركابهم من العربان المهرولين نحو التطبيع، من خلال عدة أساليب :
على صعيد المنهج . ثم على صعيد الأدوات . ثم ملء الفراغ .
فعلى مستوى المنهج نلاحظ أن الشبهات التي كانت توجه إلى الإسلام في الماضي كانت تتعلق بأحكام عامة؛ مثل : تعدد الزوجات، الجزية، حرية الرأي ... وقضايا عامة إجمالاً، ثم انتقلت الخطة إلى التشكيك في ما هو "معلوم من الدين بالضرورة" أي الثوابت !
واليوم نلاحظ أن الخطة انتقلت إلى محاولة تلويث المنابع، ثم توظيف أناس لهدم الدين من داخله على طريقة الباطنيين القدامى الذين ألف فيهم حجة الاسلام أبو حامد الغزالي (ت 505هـ ) كتابه "فضائح الباطنية" واليوم يقوم بعض من يدعون بالمفكرين الإسلاميين بدور الباطنية، فقد بدأ هؤلاء محاولاتهم لتلويث المنابع (القرآن - السنة النبوية - أصول الأحكام - التلاعب بالحلال والحرام - الحرب على المؤسسات الدعوية وتشويهها، حتى ما كان منها بعيداً عن السياسة !
وللأسف فقد اختار بعض هؤلاء ( المفكرين !؟) السقوط والمشاركة بالخطة؛ أملاً في شهرة زائلة، أو أموال لا تساوي عند الله جناح بعوضة !!
تلك هي أبرز خطوات المنهج الذي اتبع لتنفيذ الخطة؛ أما الأدوات التي استخدمت في الخطة فقد كان منها احتواء وتهميش الافتاءات الشرعية التي تصدر عن أهل العلم المعتبرين، وتوصيفها وتوصيفهم باعتبارهم أدوات في أيدي السلطات والأنظمة الحاكمة، مما خلق فراغاً أعد ليملأه أدعياء التجديد المرشحين للمشاركة في تنفيذ الخطة !
وهكذا تمضي الخطة اليوم وعملاؤها - على قدم وساق - بهدف تدمير الإسلام دون أن نرى ردود فعل رسمية ولا شعبية، بالرغم من أن الخطة تستهدف دين الله وبالرغم من أن هذا يحدث في رمضان شهر القرآن !
وإن تعجب فعجب قيام بعض الدول العربية بطباعة القرآن الكريم وتزيينه وتوزيعه، بينما تعرض قنواتها الفضائية عدداً من أدعياء التجديد الذين يعبثون بكتاب الله ودينه، وتلميعهم وتقديمهم في صورة المفكرين المجددين !
ونلاحظ هنا أن أعداء الإسلام قد أدركوا أن الخصوم التقليديين للإسلام - من أمثال المصريين ( إبراهيم عيسى، يوسف زيدان، ايناس الدغيدي، نوال السعداوي...) والممثلون الخليجيون القردة الذين ينتقدون الدين بلا وعي – لقد أدرك الأعداء أن هؤلاء ساقطون في نظر المجتمع، ولهذا رأوا انتقاء دعاة لهم بعض الكاريزما، ومسميات دينية براقة تلتصق بأسمائهم : فأوكلوا إليهم هذا الدور، الذي بدأ يمثله عدنان إبراهيم، وإسلام البحيري، والشيخ المزيف ميزو، وجمال البنا وغيرهم !!
ونرى اليوم كيف يجد هؤلاء العابثين كل تأييد ودعم وانتشار من الأنظمة العربية عامة، وبهذا اكتملت المؤامرة، أولاً بمحاولات تشويه الدين، ثم التشكيك بالسنة النبوية، وأخيراً لا آخراً العبث بكتاب الله على يدي المهندس السوري محمد شحرور وأضرابه من الذين راحوا يحرفون كتاب الله ويسقطون الأحكام، ويحلون ما حرم الله افتراء عليه !
ولاشك بأن هذا العبث في دين الله، يستدعي حركة شعبية عامة حماية لدين الله وكتابه الكريم من العابثين والعملاء، فمن غير المعقول أن تقوم الأمة من أقطارها غاضبة لرسوم تسيء إلى رسول الله، ولا تتحرك غاضبة من عبث هولاء الذين يسيئون الى كتاب الله ودينه !
وسوم: العدد 777