الرئيس مرسي .. مقيم شعائر!

من المؤلم والمحزن أن تنال من شخص لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وليت الأمر كان في سياق موضوعي وفكري ناضج، ولكنه جاء بقصد التشفي الرخيص، وتصفية ثارات شخصية لا محل لها. وللأسف فقد كان الرئيس المسلم الأسير محمد مرسي مستهدفا بصورة هستيرية من بعض الأشخاص والجهات التي لم يسئ إليها الرئيس ولم يؤذها، كان متسامحا لدرجة أنه تصدق بعرضه مع الأوغاد واللئام، وعلل ذلك بأن الناس ظلوا مكبوتين ومقهورين لمدة ستين عاما، وحانت الفرصة ليفرغوا ما في قلوبهم، وينفسوا عما في صدورهم!

يفخر الدكتور مرسي أنه مقيم شعائر وواعظ وإمام ويؤدي الصلوات الخمس، ويقوم الليل، ويستيقظ لأداء الفجر، لأنه مسلم. وهو بعد ذلك كما تقول سيرته الذاتية مهندس حصل على بكالوريوس الهندسة جامعة القاهرة 1975 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وماجستير في هندسة الفلزات جامعة القاهرة 1978، كما حصل على منحة دراسية من بروفيسور كروجر من جامعة جنوب كاليفورنيا لتفوقه الدراسي، وعلى الدكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا 1982.

وقد عمل معيدًا ومدرسًا مساعدًا بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ومدرسا مساعدا بجامعة جنوب كاليفورنيا وأستاذا مساعدا في جامعة كاليفورنيا، نورث ردج في الولايات المتحدة بين عامي 1982 -1985، وأستاذا ورئيس قسم هندسة المواد بكلية الهندسة - جامعة الزقازيق من العام 1985 وحتى العام 2010. وله عشرات الأبحاث في ”معالجة أسطح المعادن“. أيضا عمل مع شركة ناسا للفضاء الخارجي وذلك لخبرته في التعدين والفلزات وقام بعمل تجارب واختراعات لنوع من المعادن يتحمل السخونة الشديدة الناتجة عن السرعة العالية للصواريخ العابرة للفضاء الكوني. وانتخب عضوًا بنادي هيئة التدريس بجامعة الزقازيق.

وأظن أن مقيم الشعائر هذا هو الذي انتخبه الشعب المصري في اختيار حر رئيسا، فسمح للناس جميعا أن يتكلموا ويشاركوا. لم يقتل أحدا، ولم يعتقل أحدا، ولم يغلق صحيفة ولا فضائية، ووضع للناس منهجا وخطة ومشروعا للاكتفاء الذاتي من الطعام والدواء والسلاح، وواجه القتلة اليهود حين اعتدوا على الشعب الفلسطيني في غزة، وأوقف آلة الحرب النازية اليهودية، وجعلها ترضخ لاتفاق وقف إطلاق النار الذي كان يراجع كل حرف فيه كما قالت الصليبية العدوانية هيلاري كلينتون، وأثار تعجبها يومئذ، لأنها لم تر مسئولا عربيا يفعل ذلك!

مقيم الشعائر العالم الجليل في تخصص نادر على مستوى العالم أسس للاكتفاء من القمح وعدم استيراده، وخطط لاستثمار منطقة القناة استثمارا علميا وليس فهلويا ولم يمنح أرضها لمن لا يستحقون. ورفع مرتبات الموظفين ومعونات الفقراء، وكان طموحه الأكبر محاربة الفساد، ونقل الجيش إلى مستوى عالمي..

الدكتور المهندس محمد مرسي لم يكن من متأخري الطلاب أو الخريجين، ولكنه كان متقدما وفائقا في علمه ومعرفته، إلى جانب تشبع قلبه ووجدانه بروح الإسلام وقيمه وأخلاقه، وهو ما جعله يرفق بالأوغاد واللئام ولا يستخدم سلطته القانونية في ردعهم وعقابهم وقطع دابرهم كما كان ينبغي، وهو ما أخذه عليه أنصاره قبل أعدائه، لأنه لو فعل لوفر على نفسه والبلاد كثيرا من سفاهة المنافقين والعملاء.

بعض الناس يفهم السياسة فهما خاطئا حين يجردها من الأخلاق، ويعتقد أن نظرية المدعو ميكافيللي صاحب نظرية "الغاية تبرر الوسيلة" هي السياسة، ولكن النظريات السياسة الإسلامية منذ قيام الدولة الإسلامية بقيادة البشير النذير- صلى الله عليه وسلم- مرورا بالخلفاء الراشدين حتى يوم الناس هذا لا تنفصل عن الأخلاق لأن السياسة  جزء من الدين أو هي كل الدين، فلا يوجد إسلام سياسي- كما يزعم أعداء الإسلام- منفصلا عن بقية تشريعات الدين وسلوكياته!

لقد أشاع الرافضون لمنهج الإسلام، أو الجاهلون به، أن الإسلاميين لا يملكون مشروعا سياسيا، ولا يملكون خطة للمستقبل، ولا يفقهون غير وظيفة مقيم الشعائر، أو المؤذن، أو الواعظ، أو الخطيب، أو تخويف الناس من الآخرة، ويتجاهلون أن آلاف الإسلاميين في جيل واحد أو عقد واحد فقط، يجيدون تخصصات علمية دقيقة في السياسة وإدارة الأعمال، والاقتصاد، والدبلوماسية، والطب والصيدلة والهندسة والزراعة والصناعة والبحث العلمي، والفنون والآداب والإعلام، وعلوم البحار والصحراوات، والرياضة، وغيرها (منهم مائة ألف معتقل الآن، غير من لقوا ربهم شهداء في رابعة وأخواتها). المفارقة أن الذين يصمون الحركة الإسلامية بالسذاجة وعدم امتلاك رؤية أو مشروع إسلامي، لا يشيرون ولو بجزء من كلمة إلى أصحاب الثورة المضادة. فهؤلاء الذي سطوا على إرادة الشعب بحجة إنقاذه (ممن ؟ من السجون أو المعتقلات أو القتل أو التصفيات الميدانية؟) لا يملكون رؤية ولا مشروعا ولا خطة، ومع ذلك لا يسائلهم أحد عن الخطة أو المشروع أو الرؤية، ولكنهم  يسخرون من رئيس دولة محترم يعد من العلماء البارزين في تخصصه العلمي، ويعدونه مجرد مقيم شعائر أو واعظ.

إن المسلمين لا يقدسون إلا الله، ولا يؤمنون بعصمة أحد إلا الأنبياء، ودينهم يحثهم على اختيار الورع الصالح الذي يؤمن بالله وكلماته، ويحمل رسالة العلم والفهم والتخطيط، وهو ما يؤكد أن العاطفية في حياتهم حق، ولكنها لا تلغي العقل والموضوعية، والأولى أن يتحلى الانقلابيون أو أصحاب الثورة المضادة بالعقل والموضوعية، وليس بخداع الجماهير والتدليس عليها عبر أبواق مأجورة.

إن مقيم الشعائر الذي اختاره الناس، كان يعمل في خلال السنة التي قضاها رئيسا  على الورق بكل ما يملك من فكر ووعي ليخدم أمته، ويواجه المؤامرة السافرة المعادية للإسلام والمحاربة للمسلمين، ويتغلب على جيوش التخريب التي أطلقتها قوى الشر الحقيقية في أرجاء البلاد من بلطجية وانتهازيين ومأجورين وطائفيين ليتظاهروا ويخربوا ويشعلوا النار في مباني الأحزاب الإسلامية، ودور العبادة غير الإسلامية، ويتلقوا أموالا من الأعراب ليحرضوا على رفض الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة، ويؤسسوا لنظام استبدادي لا يعرف الرحمة.

قيل إن صحفيا يعمل في صحيفة خاصة ذهب إلى مسئول حزبي إسلامي، وقال له نريد دعما ماليا لنقف إلى جانبكم، وندعمكم سياسيا. فنظر إليه المسئول نظرة ذات مغزى، وقال له: نحن لا نملك مالا ندفعه لجلب الدعاية، وافعل ما يأمرك به ضميرك. في اليوم التالي كانت الصحفي يشن حملة ضارية كاذبة على المسئول وحزبه، ولم تتوقف الحملة والرجل وحزبه داخل السجون والمعتقلات!

 مقيم الشعائر قدم للدنيا نموذجا فريدا في الإخلاص والأخلاق، ولا شك أنه سيغفر لمن أساءوا إليه، ولن ينتقم منهم تحت شعار الرفق والحنو! على فكرة أردوغان الذي انتشل تركيا من القاع الحضاري إلى القمة الإنسانية يؤذّن في اسطنبول ضمن الأذان الموحد. وصوته من أجمل الأصوات وأعذبها. حفظه الله من مؤامرات الفاشلين والخونة.

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 777