الواقع الحقيقي
على ذمة باولو كويلو ، أنه في الوقت الذي اهتزت فيه مدينة نابولي الإيطالية لعروض المهرج كارلينا، جاء رجل إلى طبيب شهير يشكو إليه ضيقًا في الصدر، وبعد فحوصات مخبرية وتحاليل طبية، قال الطبيب لمريضه، اسمع يا سيد : أنت لا تعاني أي مرض عضوي، على الأرجح أن مشكلتك نفسية، حاول أن تخرج إلى الدنيا، وأن تفعل أشياء جديدة، في المدينة مهرج اسمه كارلينا يجعل المتفرجين في المسرح يقفزون من كراسيهم من شدة الضحك، أنصحك أن تذهب لتشاهده، أنا واثق أن نفسيتك ستتحسن!
نظر المريض في عيني طبيبه، وقال بأسى : أنا كارلينا أيها الطبيب!
هذه القصة كنتُ دومًا أرويها في كل مقابلة أجريها وأُسأل فيها عن الأدب الساخر، ثم أعقبُّ قائلًا : الأدب الساخر ابن الوجع، وكل ابتسامة نرسمها على شفاه القراء عشناها وجعًا بسبب الأشياء التي نسخر منها، الكُتّاب الساخرون ليسوا مهرجين يا سادة !
غير أني مؤخرًا اكتشفتُ أن قصة كارلينا أوسع من أن يستشهد بها في الأدب الساخر فحسب، إن لها يدًا طويلة تكاد تمتد لتصل إلى شؤون الحياة كلها، وأن داخل كل منا كارلينا الذي لا يراه الناس !
إن الذي أغلب منشوراته عن الحب ليس بالضرورة روميو زمانه، والتي أغلب منشوراتها عن الحب ليست بالضرورة جولييت زمانها، إن الناس ينشرون ما يفقدونه لا ما يملكونه !
إن الذي أغلب منشوراته عن الدين والنبي ليس بالضرورة أنه أمضي الليل بطوله على سجادة الصلاة، كل ما في الأمر أننا نحب الله حتى ولو عصيناه !
ما أدراكم أن الطعام الذي ترون صوره في صفحات الناس من فترة لأخرى أنه ليس واحة في صحراء الحرمان الشاسعة، الذين يجدون الطعام الشهي على مدار الساعة لا يصورونه !
ما أدراكم أن الزوجة التي تنشر عن لحظة سعادة مع زوجها أن تلك اللحظة السعيدة هي لحظة يتيمة في حياة مليئة بالنكد، لهذا احتاجت إلى توثيقها، السعداء دومًا ينشغلون بسعادتهم، ولا يوثقونها !
حتى الكتب التي تشاهدون صور صفحاتها مع فنجان قهوة لا تعني بالضرورة أن صاحبها يمضي حياته بين الكتب، إن الناس يخبروننا كيف يتمنون أن تكون حياتهم، لا كيف هي حياتهم فعلًا، إن كان الكتاب لا يأخذك من الدنيا كلها فأنت لست قارئًا !
إذا أردتم أن تعرفوا ما الذي يفتقده الناس، فانظروا إلى ما ينشرونه، فالأشياء التي نملكها على مدار الساعة والمشاعر التي نعيشها على مدار الساعة، هي شيء روتيني لا حاجة للإخبار عنه، نحن نخبر عن الأحداث والمشاعر التي تشبه الفاصل الإعلاني أثناء عرض فيلم على التلفاز ! فلا تنخدعوا، إن الذي لا يرى من الناس إلا ما يريدون له أن يراه شخص أعمى !
وسوم: العدد 789