«سبوتنيك» كأداة من أدوات الحرب الهجينة
شاركت الأسبوع الماضي في ندوة عن التحول الحاصل في التهديدات والإرهاب الدولي والحرب الهجينة، نظّمتها رابطة الأطلسي الشبابية بدعم من حلف شمال الأطلسي، وكذلك مؤسسة التنمية الاقتصادية. تحدّثت في الندوة عن المخاطر المستقبلية للطائرات بدون طيار، وكيف يتم توظيفها بشكل متزايد كسلاح من قبل الدول واللاعبين غير الدوليّين والجماعات المسلّحة على وجه التحديد.
تناولت المداخلات الأخرى مواضيع مختلفة متعلقة بطبيعة الحرب وأدواتها والتي تشهد هي الأخرى تحوّلاً في عصرنا الحالي، لا سيما فيما يتعلق بالآليات المستخدمة، بالإضافة إلى الوسط الذي يتم خوضها فيه، حيث لم تعد الحرب مقتصرة على الجو والأرض والبحر، وإنما تعدتها أيضاً إلى الفضاء الإلكتروني.
طُرحت بعض التساؤلات المهمّة في الندوة، والتي تثير إشكاليات في سياق البحث عن أجوبة متعلقة بها من قبيل: إذا كانت التكنولوجيا هي الحل فما هو السؤال في هذه الحالة؟ وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي مخصصة للتواصل الاجتماعي فلماذا تتدخّل الدول فيها؟ وهل هناك علاقة بين سلطوية الأنظمة واعتمادها على تكتيكات هجينة؟، وهل التكنولوجيا حل أم مشكلة في ذاتها؟
خلال هذه الجلسات، تكررت عدّة مرات الإشارة إلى وكالة سبوتنيك الروسية، بصفتها إحدى وسائط الحرب الهجينة التي تعتمدها وروسيا من الناحية الإعلامية، كما تمّ التطرق إلى الكيفية التي توظّف فيها موسكو هذه الأداة في خدمة المصالح القومية الروسية. لـ «سبوتنيك» مراكز إعلامية متعددة الوسائط في عشرات البلدان في أميركا وأوروبا والشرق الأوسط، وهي تبث عبر هذه الوسائط المختلفة بلغات متعددة من بينها الإنجليزية والعربية والإسبانية والصينية وغيرها.
يستمد اسم «سبوتنيك» من أول قمر اصطناعي في العالم، وهو القمر الذي قام الاتحاد السوفييتي بإطلاقه في عام ١٩٥٧، وهذا بحد ذاته يعطي القارئ فكرة عن سياسة القناة، الدعاية ثم الدعاية ثم الدعاية. لكن كان من المثير للاهتمام أيضاً معرفة الاستراتيجية التي تستند إليها القناة في عرض أخبارها الموجّهة.
وفق عدد من المتحدثين، فإن القناة تعتمد على سياسية تسويق لـ «الحقيقة المشوّهة، التشويش أو الالتباس»، وأخيراً ما يعرف باسم «whataboutism»، وهو مصطلح يفيد التهرّب من الإجابة عن الأسئلة أو دحض الوقائع من خلال تغيير الموضوع أو تحويله إلى سؤال عن موضوع آخر، بهدف التملّص ورمي الكرة في ملعب السائل.
وكان من اللافت أيضاً الإشارة إلى النجاح أو لنقل التأثير الذي تتركه مثل هذه القناة ووسائطها المتعددة في بعض بلدان حلف شمال الأطلسي كتركيا على سبيل المثال، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تشويش تضليل الرأي العام. بهذا المعنى، لا تحتاج القناة إلاّ إلى أن تشوّش على الحقائق حتى تنجح في هدفها، فهي إن نجحت في خلط الأمور لدى المتلقي تكون قد حققت ما تصبو إليه.
وبالرغم من أنّ هناك شبه إجماع لدى النخب على أن أهداف القناة ووسائلها مكشوفة بالنسبة إلى المتخصصين، لكنّها ليست كذلك بالنسبة إلى العامة، حيث يرى البعض أنّها نجحت على سبيل المثال في تحريف الوقائع لدى شريحة من المتلقين، كما حصل إبان الاعتداء الروسي على جورجيا عام ٢٠٠٨، وكذلك الأمر عندما تدخلت عسكرياً في أوكرانيا عام ٢٠١٤، وقامت بضم شبه جزيرة القرم الذي يقطنها التتار من أصل تركي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في نهاية المطاف، ما الذي يجعل لمثل هذه الأدوات تأثير في شريحة معيّنة من الناس؟ هل هو مستوى المعرفة مثلاً؟ هل الانتماء السياسي أو الأيديولوجي؟ هل هو الموقف من الآخر -الولايات المتّحدة على سبيل المثال؟-، هل هو قلة التوعية؟ مثل هذه الأسئلة هي ما نحتاج من الدراسات أن تجيب عنه الآن حتى نتوقع التأثير المستقبلي لها.
وسوم: العدد 801