وانتهى النظام السوري تاريخياً وقانونياً وأخلاقياً
ولنردد مع أمير الشعراء شوقي بيتيه الرائعين:
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفـكف يا دمشق
وبي مما رمتك به الليالي جراحات لها في القلب عمق
ثم نبدأ القول:
1_ الكذب وقلب الحقائق
في تلفزيونهم في دمشق، يكذب الحاكمون.. ويكذبون.. ويقلبون الحقائق؛ فيقولون بلا حياء: إن جيشهم ودباباتهم ذهبوا إلى درعا وغيرها من المدن السورية بناءً على طلب من الأهالي، بغية إنقاذهم من عصابات مفترضة، ومن ثم لإعادة الأمن للناس. إن أي سامع أو قارئ إلى قول هزيل كهذا المنقول عن التلفاز الأسدي، لا بد له أن يتساءل كيف يأتي جيش وأمن إلى مدينة بناءً على طلب أهلها للحفاظ على أمنهم، في حين أن هذا الجيش يقطع الماء والكهرباء والاتصالات، ويحاصر المساجد، ويقتل الناس بالمئات ومن بينهم الأطفال بالرصاص الحي، ويهدم البيوت بالعشرات، ويعتقل أكثر من ألف مواطن في المدينة السورية الجنوبية وريفها الثائر، كما ترك الجرحى يكملون بقية حياتهم حتى الموت مُلقَون في الطرقات، ويعتقل الجثث؛ ليساوم على تسليمهم لأهاليهم مقابل استقبالهم لِلَجْنة تحري حقائق الأوضاع الإنسانية الأممية في درعا بالهتاف تأييداً للرئيس السوري، وتزويراً لشهادتهم بالقول للجنة: إن الحياة طبيعية في البلد، وليس هناك حصار وقتل واعتقال! والناس علموا من التجربة أن الهيئة الأممية متواطئة مع مجرمي الحكم.
رباه.. إنهم يقلبون الحقائق، ويزيفون الأحداث بوقاحة متناهية..! ولكنك يا سورية أقوى وأعلى من مفترياتهم وترهاتهم ، فلا تشيحي بوجهك أيتها المدن السورية، عن دمٍ هو نور وضياء لأيام قادمة، تغيب فيه عائلة الأسد وفعالها من تاريخ سورية، و يستعيد قاسيون مجده الأموي المتألق، تاجاً عربياً إسلامياً، يعلو قامة سورية، التي دوخت كل الغازين على مر الزمان، إلى أن كانت جريمة احتلال عائلة أسد لسدّة الحكم في سورية، حيث قامت هذه الأسرة بتوهين كل عناصر النهوض في سورية، وتخريب كل ما هو مبدع في سعي شعب سورية. إلا أن هذا الشعب لم يضع الفرصة؛ فقد هبّ _حسب عادته_ في وجه هذا الحكم الاستبداي القاتل، منتضياً شمس ثورة شاملة جامعة أهل سورية بكل مكوناتهم، مبتغية إيقاف نزيف الحياة في سورية، مجمعة على محاسبة حكام الجريمة، الذين عفروا بها وجه سورية المضيء في ثمانينيات القرن الماضي، ولم تنقطع ظلالها القاتمة الظالمة بعد عام 2000 وحتى يومنا هذا .
2_ دعامتان للقتل والنهب
لقد تخفى حكام سورية المجرمون خلف لافتات الممانعة وادعاء الحفاظ على أمن البلد واستقراره، وهما دعامتان أرادت لهما العائلة الحاكمة أن يستمرا في تأمين جلوسهما فوق عرش سورية الحبيبة متنعمين بثروات اغتصبوها بالمليارات من قوت الشعب وعرقه ودمعه، و خزنوها في حساباتهم في البنوك وفي العقارات والشركات الصناعية والخدماتية والسياحية، و في مخابئ أخرى يظنون أنها أكثر أمناً في سفارات لهم وعند سفراء لا يتقون ربهم، وهم مشاركون في عملية النهب. وبرهاناً على ما قلنا، فإن شريك الرئيس الأسد وابن خاله رامي مخلوف امتلك 60% من النشاط الاقتصادي في البلد داخلياًو خارجياً، وهي نسبة أكدها ووثقها اقتصاديون سوريون موثوقون،ومنهم النائب رياض سيف، الذي اعتقل وحوكم وسجن سنوات من عمره. وذلك بسب تساؤله في مجلس الشعب عن صفقة شركة الاتصالات السورية التي أحيلت إلى رامي مخلوف، رغم أن عرضه في الظرف المختوم كان أقل العروض، وقد خَسَّرت تلك الإحالة خزينة سورية ما يعادل أربعة مليارات ليرة سورية، دخلت في حساب مخلوف وشريكه. وهذه واحدة من مئات صور أهل النهب، الذي يقتل الناس اليوم في الشوارع من أجل حماية المنهوبات وإسكات صوت الحساب.
3_ ثورة متصاعدة
إن تصرفات وممارسات النظام تجاه احتجاجات الشعب السلمية، تدلك على ما كان من الارتباك الشديد الذي جرى داخل الزمرة الحاكمة، حيث أدى ذلك الارتباك إلى الزج بالأجهزة الأمنية وبالفرق العسكرية المأمونة الولاء لهم في مواجهة الناس، الذين كانوا يخرجون بصدور عارية وأيد عزلاء، فعاثت تلك الأجهزة وتلك الفرق قتلاً بدم بارد، واعتقالاً وحشياً بالآلاف، وقد دخل بعض من الهمج بلباسهم الرسمي، ومنهم من دخل إلى المدن بألبسة مدنية غريبة، مدعين أن هؤلاء عصابات تقتل الجيش والمدنيين، مع أن تلك المسرحية كانت فبركة سمجة هزلية لم ولن يصدقها أحد، فالجميع يعلمون أن جزءاًمن الأجهزة الأمنية أو من المجرمين المستأجرين خصيصاً للمشاركة بهذه المهمة القذرة ، هم من يقتلون الناس ويقتلون الجنود الرافضين إطلاق النار على المواطنين
غير أن هذه الممارسات الإجرامية من الزمرة المتسلطة لم تفده في مواجهة ثورة الشعب السوري، التي انطلقت يوم الخامس عشر من آذار، كما لم تفدهم الثروات المنهوبة، وها هي الجُمع تتتالى والأيام تتراكم، والدم يراق والسجون تفغر أفواهها، ورغم ذلك كله، فالثورة في تصاعد لا ردّ له، تنبيك بتعميم الاحتجاج واجتياحه لكل المدن والقرى والأرياف والعشائر السورية الكريمة، وبزخم فاق زخم كل ما سبق، وقد تحدى الشعب السوري فيها قرار وزير الداخلية الدموي بمنع المظاهرات، غير آبه بنيران القناصة الأمنيين ولا بقتل العسكر والشبيحة وقصف الدبابات، ولقد خسر هذا النظام من قبل ومن بعد المعركة الأخلاقية إلى جانب خسارته المواجهة، وذلك بعد أن عممت الفضائيات على شاشاتها صور جثث الشهداء في درعا وهي مكدسة في ثلاجات الخضار؛ نظراً لأن عسكر النظام في فرقة ماهر الأسد، منعت الناس من تسلم جثث ذويهم ودفنهم بحسب المراسم الإسلامية ، فضلاً عن صور الشبيحة والعسكر يدوسون فوق أجساد المواطنين المعتقلين، ويضربون وجوههم بأحذيتهم في البيضاء_ بانياس ، وإضافة إلى تكدس الدبابات في شوارع حمص وأحيائها، وفي بلدة طفس قرب درعا، ومواصلة القتل والاعتقال فيهما يومي السبت والأحد بعد يوم جمعة التحدي، ولعله بذلك يقرر النظام نهايته البئيسة أن شاء الله.
4_ ادعاء زائف
لقد انتصر الشعب السوري على الخوف وعلى الموت، ووضع اليد مع اليد، وأضأف العضد إلى العضد، في رحلة تحرر تشارك بها كل مكونات هذا الشعب،و تهتف جميعها بكلمات معنونة بإسقاط النظام، وبكسر قيود القهر، رادة بذلك على الادعاء الزائف القائل بأن تلك الهمجية التي يواجه بها النظامُ المواطنين العُزّل، ليست إلا حرصاً من النظام الحاكم على أمن الوطن و المواطن ... ها...ها...ها... هل تصدقون هذه النكسة اللغوية التي تنطلق أنصالاً تذبح الحياء؟! إنها كلمات تبث المرّ في فم كل حر، و توجه طعنة خبيثة إلى الحقيقة؛ إذ أين يَنْظُم أي مراقب كل تلك المفارقات وذلك التوحش في عقد الحرص على أمن الشعب واستقرار المواطن؟! أهو ذلك الاستقرار الذي شاهدناه منذ عام 1970م وحتى اليوم، المعتمد على القهر و القتل والإرهاب الرسمي.. ذلك الذي تباهى بقشوره ومظاهره الخادعة كل واحد من المسؤولين في زمرة الحكم الأسدي، ولك يا صديقي القارئ والمشاهد هذه الأيام، التي غادر فيها شعب سورية عقدة الخوف أن تتساءل بالقول: لعلّ احتلال مدينة درعا البطلة بالدبابات يوم جمعة الغضب أواخر نيسان (إبريل) 2011م وقصفها بالمدافع والرشاشات، وهدم بيوتها، وقتل الناس في شوراعها وفي كل شوارع المدن السورية، ثم حصارها مع حمص وبانياس وغيرها، ومنع الغذاء والماء والكهرباء والاتصالات عنها، وإغلاق السبل أمام كل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية من الدخول وتسجيل ما يجري على أرض سورية من إجرام وفضائح وممارسات وحشية، عودنا عليها هذا النظام المستمر منذ الثمانينيات وحتى اللحظة، متمثلةً اليوم باعتقال أكثر من مئتي ألف مواطن من كل أنحاء سورية، وملء أفق سورية بمئات آلاف الجثث ومئات آلاف الجرحى والمفقودين، والآن لعلك أيها القارئ الكريم والمشاهد الحصيف، بعد أن رأيت وسمعت وقرأت عن كل تلك المكرمات الأسدية أن تسأل من جديد: هل بهذا يتحقق أمن المواطن واستقرار الوطن..؟! إنه ادعاء زائف يضج بالقول: إن الزمرة المغتصبة للحكم، قد انتهى وجودها تاريخياً وقانونياً وأخلاقياً، وبقيت لحظة قلب الصفحة إن شاء الله، بعد عمليات إفراغ البلد من أصحابها وإحلال الغرباء الأعداء مكانهم.
ثم ألا يحق لنا أن نقول: إنه في قلب وعقل ثورة الشعب السوري المباركة يكمن أمن الوطن السوري واستقراره، لا في خبث كلام مدعي الممانعة والمقاومة؛ فمن يقتل شعبه لا يمكن أن يمت للمقاومة بصلة. وها هي جراحاتك يا سورية تملأ قلوبنا ببهجة النصر، فبنا من تلك الجراحات آمال عريضة ناطقة بالحرية إن شاء الله، فإقداماً إقداماً يا شعبنا السوري المجاهد الكريم، وصبراً صبراً؛ فإنما النصر صبر ساعة، وأخيراً لا بد لنا أن نذكر شعوب العرب والحاكمين بأن الصمت تجاه المجازر في سورية ليس موقفاً يرضى عنه الله، أو يقبله التاريخ ((وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) يوسف:21. وكذلك، فإن المسارعة إلى تأهيل الزمرة المجرمة لتكون عضواً ممثلاً لسورية في الجامعة العربية ومحافل العرب الأخرى، لهو جريمة أخرى يرتكبها الأشقاء بحق الشعب السوري، الذي لم يبخل يوماً بتأييد أي شقيق..! وإن هذا الشعب لن ينسى أبداً! وليكن بعلمهم أن بقاء الحال على حاله من المحال، وأن هذه الدنيا لا تصفو لأحد، فضعيف اليوم قوي غداً، والعكس صحيح، وسبحان مقلب الأيام.. فليخشه هؤلاء على أنفسهم، وليحسبوا مواقفهم بدقة وحذر.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وسوم: العدد 809