قوّة الشخصية ، والثقة بالنفس : بين الاعتذار عن الخطأ ، والإصرار عليه : مكابرةً وعناداً!
سؤال ، بين يدي الموضوع : أيّهما أقوى شخصية ، وأعظم ثقة بنفسه : مَن يعتذر، عن خطأ واضح ، يقع فيه ، من أيّ نوع كان : علمياً ، أو اجتماعياً ، أو غير ذلك .. أم مَن يكابر، ويصرّ على الخطأ؟
حين يتحدّث علماء النفس ، أو علماء الاجتماع ، عن الشخصية الإنسانية ، وصفاتها ، وقوّتها وضعفها .. يكون حديثهم ، في الغالب ، منهجياً ، مستنداً إلى استنباطات علمية ، واستنتاجات منطقية ، مبنيّة على استقراء ظواهر، وإحصاءات علمية دقيقة ، أو قريبة من الدقّة .. وتكون النتائج ، التي يتوصّلون إليها ، أقرب ماتكون ، إلى الدقّة !
المشكلة هي: عند العامّة، الذين يُكثرون الحديث، عن هذه الأمور، وهم يجهلونها ، بشكل عامّ، ويجهلون معاني المصطلحات ، التي يردّدونها:
يجهلون معنى الشخصية ، ومعنى قوّة الشخصية ، أوضعفها!
ويجهلون النفس ، ومعنى الثقة بالنفس ، ومعنى ضعف الثقة بالنفس ، أو انعدام الثقة!
والحديث ، هنا ، منحصر، في إطار المصطلحات ، التي يردّدها هؤلاء العوامّ ؛ لأن الأمر، غير متعلّق ، ببحث علمي ، أكاديمي منهجي ! وينحصر الكلام ، هنا ، في فريقين من الناس ، أحدهما : يرى أن الإعتذار، عن الخطأ ، بعد ظهور الصواب ، هو من قوّة الشخصية ، ومن الثقة بالنفس!
والآخر: يرى الإصرار على الخطأ - عناداً ومكابَرةً - من قوّة الشخصية ، ومن الثقة بالنفس!
ولن نتحدّث ، هنا، عن أسباب الإصرار على الخطأ، المتنوّعة ، كالجهل، والحماقة ، وغيرهما؛ فهذه تختلف ، عمّا نحن بصدده ! فالإمام الشافعي ، يرحمه الله ، قال : ماناقشت عالِماً ، إلاّ غلبته ، وما ناقشني جاهل ، إلاّ غلبني!
وحسبُنا ، أن نَذكر- للتدليل – حالتين ، وقعتا ، في إحدى الجامعات العربية ، تعبّران ، عن نموذجين ، من المدرّسين الجامعيين ! ومدرّس الجامعة ، يُنظر إليه ، على أنه ، في الدرجة العليا ، من الوعي والفهم ، والعلم والثقافة !( ولن نَذكر اسمَي المدرّسين ، فقد لقيا ربّهما ، من سنين ، عدّة ! كما لن نَذكر اسم الجامعة ؛ كيلا يستشفّ أحد طلابّهما ، أنهما مقصودان في الكلام)!
النموذج الأول : كان يشرح بيتاً ، من الشعر، لشاعر قديم ، درَسه ، هو، وألّف في شعره ، رسالة (ماجستير) ، وبات يقرأ ، لطلاّبه ، ممّا كتبه ، عن الشاعر وشعره ! فأخطأ ، في شرح بيت ، خطأ واضحاً ، لايحتمل أيّ تأويل ! وحين لفتَ أحدُ الطلبة ، نظره ، إلى المعنى الصحيح للبيت ، أصرّ على شرحه ، بالطريقة التي شرحه بها ، في الكتاب ! وحين حاول الطالب ، التأكيد ، على المعنى الصحيح ، نهره المدرّس ، وأسكته ، مؤكداً ؛ أن المعنى الذي ذكرَه ، هو الصحيح ، قطعاً ، وأمرَ الطالب ، بالصمت !
وإذا استبُعد الجهل والحماقة ، عن سلوك المدرّس ، هنا ، فلن يبقى ، سوى المكابرة والعناد؛ تحاشياً ، لظهور المدرّس ، بمظهر الجاهل !
النموذج الثاني : كان يشرح بيت شعر، لشاعر قديم ، فشرحه ، بطريقة تحتمل المعنى، الذي ذكرَه ، وتحتمل معنى آخر، أكثر قرباً ، من المعنى الذي أراده الشاعر!
وحين لفت نظره ، أحدُ الطلبة ، إلى المعنى الثاني ، الذي تدلّ عليه قرينة ، في البيت ، ذاته ، توقّف قليلاً، متأمّلاً المعنى ، الذي أوردَه الطالب ، وقال له ، ببساطة: المعنى الذي ذكرتَه جيّد، لكني أحسب ، أن المعنى الذي شرحتُه ، أنا ، هو الذي قصده الشاعر! ثمّ صمتَ قليلاً، وقال: يبدو لي ، أن المعنيين متقاربان ، وهما صحيحان ، كلاهما ! ثمّ تأمّل ، في المعنى الثاني ، وقال للطالب : أقول لك ، إن المعنى ، الذي ذكرتَه ، أنت ، أقوى من المعنى ، الذي شرحته أنا؛ وذلك ، لوجود قرينة في البيت ، ترجّح المعنى ، الذي ذكرته ، أنت ، وعلى هذا يكون الشرح الصحيح ، للبيت ، هو كما ورد ، في كلامك !
هذان النموذجان ، مرّا على الجامعة ، منذ ما يزيد ، على نصف قرن، من الزمان ، لكنّ نسبة الاحترام ، لكلّ منهما ، تختلف بينهما ، بقدر احترام ، كلّ منهما ، لنفسه ، ولعقول طلاّبه !
وسوم: العدد 829