وقفة مع القول المشهور " اتق شر من أحسنت إليه "

من الأقوال المشهورة التي تجري مجرى المثل قولهم : " اتق شر من أحسنت إليه" ،ومما قيل عن هذا القول أن له ما يؤيده في كتاب الله وهو قوله عز من قائل : (( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله )) ،وقد جاء في كتب التفاسير أن هذه الآية نزلت في بعض المنافقين كانوا قد ردوا على فضل الله ورسوله عليهم بالإساءة . وبناء على هذا تكون مقولة " اتق شر من أحسنت إليه " مؤيدة بقول الله تعالى .

  ومعلوم أن هذه المقولة مقيدة باتقاء  شر اللئام  الذين يقابلون الإحسان إليهم بالإساءة بشكل أو بآخر ، ولا يقصد بها اتقاء  شر كل من أحسن إليه ولو لم يكن لئيما  .

والذي دعا إلى التفكير في هذه الوقفة مع هذه القولة حديث دار بيني وبين أحد الإخوة الأفاضل شكا إلي إساءة قرابته إليه، وقد كان محسنا إليهم .  والغالب أن الناس حين يذكرون هذه القولة إنما يقصدون ما يصدر عن من أحسنوا إليهم من إساءة قولا أو فعلا ، ويغفلون عن أسوأ شر يكونون سببا فيه وهو شر إيقاع المحسن  وهو مضطرفي المن والأذى، وهما مما  يبطلان الإحسان ، وبيان ذلك أن المحسن قد يحسن إلى غيره من الأقارب  أو المعارف أو حتى الأباعد، ويكون منطلقه نية صادقة بإسداء المعروف إليهم لوجه الله تعالى وتقربا منه ورغبة في الأجر والثواب في الآجل إلا أنهم حين يقابلون الإحسان إليهم بالإساءة قولا أو فعلا بطريقة أو بأخرى يفسدون على من أحسن إليهم نيته كأن يندم على إحسانه إليهم ، أو يشكوهم إلى الخلق ،فيذكر ما أسد اه إليهم من معروف وما قابلوه به من إساءة ، ويجد  حينئذ نفسه في حيرة من أمره لا يأمن على نفسه مما يبطل إحسانه من المن والأذى . أما المن فهو أن يظهر المحسن أو يذكر ما قدمه من إحسان إلى من أحسن إليهم ، أو يخبر غيرهم بذلك بقصد إظهاره ، وأما الأذى فهو الشكوى مما قدم من إحسان قوبل بالتقصير في حقه ممن استفادوا منه أو بالرد عليه بالإساءة  بطريقة أو بأخرى .

ولا شك أن الشر الذي يجب أن يتقى ليس ما يصدر عن المستفيد من الإحسان من إساءة القول أو الفعل ،وإنما هو ما يتسبب فيه غضب المحسن  من المن أو الأذى  اللذين يهدمان إحسانه ، وتلك هي الخسارة التي يجب أن تتنكب ، والشر الذي يجب أن يتقى . ولا يوجد أقبح من تلك الخسارة ، وذلك الشر الذي يصيب المحسن في رصيده الأخروي الذي لا يمكن أن يعوض كما تعوض خسارة الدنيا.

وأكثر ما تحصل هذه الخسارة الفادحة في الغالب مع الأقارب والمعارف حيث تتسبب إساءتهم مقابل الإحسان إليهم في جر من  يحسن إليهم  وهو مكره أو مضطر إلى  التصريح بما يبطل إحسانه من منّ وأذى  بعد نية صادقة في الإحسان ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة .

وبناء على ما تقدم يجدر بمن يريد العمل بقولة " اتق شر من أحسنت إليه " أن يتقي شر الوقوع في المن والأذى ، أما غير ذلك من الشر فيهون .

ونختم بالقول أن مقولة : " اتق شر من أحسنت إليه " وردت أيضا ضمن تحذيرات نذكر منها قولهم: " كن من الكريم على حذر إن أهنته ، ومن اللئيم إذا أكرمته ، ومن العاقل إذا أحرجته ، ومن الأحمق إذا رحمته ، ومن الفاجر إذا عاشرته ، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك ، أو تسأل من لا يجيبك ، أو تحدث من لا ينصت إليك . 

وسوم: العدد 834