لن أعيش فقيرا بعد الآن! حقوقك في التنمية الاقتصادية (2)
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
من الصعب حقا أن يعيش الإنسان سنوات طويلة من عمره فقيرا، أو يرى شبابا وشابات، أو كبار سن متقاعدين، قضوا سنوات من عمرهم في وظائف حكومية، يخدمون مجتمعاتهم، ولكنهم مازالوا فقراء.
ومن الصعب جدا أن تقضي بقية عمرك دون أن تستمتع ببعضه، كما يستمتع الآخرون. فالحياة كما أنها ليست للمرح دائما فهي ليست للفقر والحرمان أيضا، لذلك ينبغي أن نحصل على نصيبنا من الرخاء، كما حصلنا على نصيبنا من الضراء. فالغنى ليست ماركة مسجلة باسم الأغنياء. واعلم أن الزمان لا يثبت على حال، كما قال عز وجل: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
لا يقول لك أحدهم متفلسفا: إن الفقر ليس عيبا، ليطيب خاطرك، لا بل هو عيب، وأذى؛ فكلنا نخاف الفقر، لأن الفقر يولد الحاجة، والحاجة قد تكون سببا للمذلة، والفقر هو صنو الجهل، وصنو المرض، ومتى اجتمع الثلاثة كفر الناس، ومات في النفوس الأمل. لذا قال الإمام "علي بن أبي طالب" قولته المشهورة: (لو كان الفقر رجلا لقتلته).
وأنت تشعر به قبل غيرك، لأنك تخجل من الفقر، ولا يتجرأ أحدنا ليقول على الملا أنا فقير، إلا إذا كان يريد أن يستجلب عطفهم ودنانيرهم. تصور نفسك أنك حصلت على شهادة جامعية، وهرولت بشهادتك ووثائق الشخصية إلى مؤسسة حكومية؛ ولكنهم أغلقوا الباب بوجهك قائلين لك: ليس لدينا وظائف. وتصور نفسك أنك تجول شوارع مدينتك؛ تطرق أبواب الشركات والمعامل بحثا عن عمل؛ فلا تحصل عليه.
وتصور نفسك أنك تعيل زوجة أو أما أو أبا؛ ولا تستطيع أن توفر لهم لقمة العيش. وتصور نفسك أنك تسكن في بيت مستأجر؛ ولا تستطيع أن تدفع إجاره الشهري. وتصور نفسك أنك لا تستطيع أن تنتقل من مكان إلى مكان؛ لأنك لا تملك أجرة سيارة النقل. وتصور نفسك أيضا أنك تدخل مطعما؛ ولا تستطيع أن دفع ثمن طعامك. وهكذا... يتكرر هذا المشهد في مدار الساعة، فما أنت فاعل؟
لا... لا... قطعا لا أدعوك للانتحار أبدا، فهذه صفة العاجزين واليائسين والمحبطين، وهي صفة لا تليق بالشباب القوي الطامح. ولا أدعوك للسرقة، أو غش الآخرين، فليس من حقك أن تعدي على مال غيرك، بأي طريقة كانت. بل أدعوك أن تفكر بتغيير شامل في حياتك، أدعوك إلى مبادرة ذاتية للقيام بمبادلة تجارية، تكون أنت مبدؤها وصاحبها.
والمفتاح فيها هو السؤال الآتي: إن هناك الآلاف من الشباب والشابات في مثل عمري، وفي مثل وضعي، وهم من أبناء وطني، وفي منطقتي، بل هم من أقربائي، ومروا في الظروف نفسها، والأوضاع ذاتها، ولكنهم اليوم في وضع أفضل، وفي حال أحسن. فلماذا لا أصبح مثلهم، واتخذ القرار الشجاع؟ والقرار الشجاع هو (لن أعيش فقيرا بعد الآن).
ولكن... حتى أبعد شبح الفقر عني، وعن المقربين مني، علي أولا أن أبدا من ذاتي، فهي ساحتي الأولى نحو التغيير، وهي علتي الحقيقية، وهي عدوي الذي بين جنبي، هي تريد أن تكون مرفهة بلا ثمن، وتريد أن تكون غنية بلا عمل، وتريد أن تأخذ دون أن تعطي، وأول مبدأ هو مبدأ (قهر الذات).
إن مبدأ (قهر الذات) يعني إرغام ذاتك على أن تعمل هي بنفسها على تحقيق أحلامها في الثروة والغنى، أتعبها بالتفكير والتخطيط والعمل، لا ترحها على الإطلاق، إلا قليلا، فليس لديك الوقت الكافي. هي تريد اللعب امنعها عن اللعب، إلا قليلا، هي تريد اللهو أمنعها عن اللهو إلا قليلا، هي تريد النوم امنعها عن النوم إلا قليلا، هي تريد الراحة امنعها عن الراحة، هي تريد الحفلات امنعها عن الحفلات، هي تريد الملذات امنعها عن الملذات.
وقل لها يصوت عال: يا أيتها النفس إن طلبت اللعب؛ فاستجبت لك؛ فسأكون فقيرا، ولا أريد أن أكون فقيرا، وإن طلبت النوم الكثير فاستجبت لك فسأكون فقيرا، ولا أريد أن أكون فقيرا، وإن طلبت السهر والحفلات فاستجبت لك فسأكون فقيرا، ولا أريد أن أكون فقيرا، أرجوك اصبري علي، ستأتي الراحة؛ والمتعة... ولكن بعد حين، اصبرِ قليلا.
نعم... أبدأ وأقهر ذاتك على التخطيط لعمل ما، أو العمل في مكان ما يوفر لك مبلغا متواضعا، لأنها التطبيق العملي لقهر الذات، فنفسك تحدثك أنك الشخص الفلاني المحترم؛ فهل من المعقول أن تعمل في هذا المكان! أنك أبن العائلة الفلانية؛ هلا استحيت من نفسك! أنك صاحب الشهادة الفلانية؛ فكيف تعمل في مهنة متواضعة. قد يلومك الأهل والأصدقاء على مهنتك (الحقيرة) كما يظنون، ولكن إياك أن تستمتع لنفسك الأمارة بالسوء، أو لأهلك وأصدقائك الذين يشفقون عليك، وقل لذاتك ولأقربائك إن العمل شرف، إن العمل شرف، فدينار أحصل عليه بعرق جبيني هو أفضل عندي من مليون تعطوني إياه.
وأنت تعمل في مكان ما، قد لا ترغب بالعمل به، أعط انطباعا حقيقيا لرب العمل أنك أفضل عامل لديه، وأنك تعمل بكل طاقتك، ليس بالكذب أو بالتدليس أو بالغش، بل بالإنتاج الذي تحققه، (رحم الله امرئ عمل عملاً فأتقنه) فرضا رب العمل عنك علامة على نجاحك، ليس لأرب العمل وحده، بل لذاتك أيضا، إنها الخطوة الأولى في سلم النجاح.
ولكن لا ينبغي أن تقنعك نفسك أن هذا أفضل عمل يناسبك، ولا تبحث عن عمل أفضل، بل دائما اشغل نفسك من خلال خبرتك البسيطة في العمل المتواضع كيف تطور عملك، وكيف تضيف قيمة إضافية عليه، تجعل صاحب العمل فخورا بك، وكيف يمكن أن تحصل على عمل آخر باجر أكثر، تستفيد من الخبرات والمهارات التي اكتسبتها في العمل الحالي. وهكذا لا تركن لنفسك، ولا تقتنع بوسواسها، حتى يكون لك عمل مستقل، وأنت رب العمل.
بعد مبدأ (قهر الذات) يأتي مبدأ (الاستثمار في حاجات الناس) وهذا المبدأ يعني أن تركز بشكل جيد في المجتمع المحلي الذي تعيش فيه، وتنظر من حولك، وتسأل السؤال الآتي: ماذا يحتاج الناس في منطقتي؟ ماذا ينقصهم؟ وما هي الأشياء الموجودة في مجتمع آخر غير موجود في مجتمعي؟ ماذا يحتاج الأطفال في منطقتي؟ ماذا تحتاج النساء في منطقتي؟ ماذا يحتاج كبار السن في منطقتي؟ ماذا يحتاج المعلمون في منطقتي؟ وماذا يحتاج المهندسون؟ وما هي الأغذية التي يحتاجونها في طول السنة؟ وهكذا دون كل إجابة تحصل عليها.
ثم أطرح السؤال الآتي: ما هي الأعمال والأنشطة التي تستهويني، ويمكن أن أوفرها لمجتمعي المحلي، وتوفر لي رأس مال جيد، وانطلق به من حال أفقر إلى حال الغنى؟
قد تجد أن مجتمعك المحلي بحاجة إلى ماء صالح للشرب، فالماء في البيوت غير صالح للشرب، وقد تجد أن مجتمعك المحلي يحبون أكلة الكباب أو البيتزا، ولا يوجد مطعم يبيع هذه الأطعمة، وقد لا يوجد في منطقتك سيارات تاكسي، وهم بحاجة إليها، أو لا توجد روضة، أو لا توجد مدرسة، أو لا يوجد سوبر ماركت، أو يوجد، ولكن قليل، أو أسعاره عالية، او لا يوجد محل لبيع الملابس، وهكذا الآلاف من الحاجات المجتمعية التي يتطلب أن تكتشفها بنفسك، وتخطط لها، ثم تختار منها ما يناسب مهاراتك وخبراتك ورغباتك. فإذا عزمت فتوكل على الله.
وبعد مبدأ (قهر الذات) ومبدأ (الاستثمار في حاجات الناس) يأتي مبدأ (استغلال إمكانيات الآخرين) أي الاستعانة بالإمكانيات التي تتوفر لدى الآخرين، والتي تساعدك على فتح مشروعك الخاص، وعلى الاستمرار به، فمعلوم أن أي مشروع خاص لينجح هو بحاجة إلى عدة مقومات منها: مقومات مادية فأنت تحتاج إلى بعض المال للمشروع، وهذا يمكن أن تحصل عليه من المنح التي تمنحها الدولة، أو القروض التي تقرضها المصارف مقابل فوائد، أو من الأهل والأصدقاء كديون أو قروض بلا فوائد. وعليه أنت بحاجة إلى أن تتعرف إلى ماهية هذه المنح والقروض، أو تستعين بمن يعرف بها.
ومنها مقومات قانونية؛ فأنت بحاجة إلى أن تحصل على موافقات أصولية من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمشروع، فهي ضرورية لممارسة العمل وإلا يعد مشروعك غير قانوني، ويمكن أن يتوقف المشروع برمته. وعليه يمكن الاستعانة بالمقومات القانونية من أجل فتح المشروع وإدامته. ولابد أن يكون لك بعض الإلمام بالقوانين والأنظمة التي تحكم مهنك حتى لا تتعرض إلى عقوبات تؤثر على مشروعك وتضعف عزمتك، أو تستشير من لديه الخبرة القانونية.
ومنها مقومات الإدارة، فأنت بحاجة إلى أن تستعين بخبرات بعض الأصدقاء أو خبرات المراكز التأهيلية اللازمة لفتح مشروعك. فأنت قطعا لا تمتلك كل المهارات والخبرات اللازمة لإدارة المشروع أو الترويج للمشروع، أو للتسوق، أو إقامة العلاقات التجارية مع الموردين ومع الزبائن. وكلما تمكنت من استغلال إمكانيات الآخرين المتاحة تمكنت خطوة من النجاح، ووفرت عليك مشقة الطريق، ولاح في الأفق لمعان الثروة.
وسوم: العدد 838