المــرأة المسـلمة
كتب إلى كاتب فاضل يطلب أن أكتب عن المرأة وموقفها من الرجل وموقف الرجل منها، ورأي الإسلام في ذلك وحثّ الناس على التمسك به والنزول على حكمه.
لست أجهل أهمية الكتابة في موضوع كهذا ولا أهمية انتظام شأن المرأة في الأمة، فالمرأة نصف الشعب بل هي النصف الذي يؤثر في حياته أبلغ التأثير لأنه المدرسة الأولى التي تكون الأجيال وتصوغ الناشئة، وعلى الصورة التي يتلقاها الطفل من أمه يتوقف مصير الشعب واتجاه الأمة، وهي بعد ذلك المؤثر الأول في حياة الشباب والرجال على السواء.
لست أجهل كل هذا، ولم يهمله الإسلام الحنيف وهو الذي جاء نوراً وهدى للناس ينظم لهم كل شؤون الحياة على أدق النظم وأفضل القواعد والنواميس، أجل لم يهمل الإسلام كل هذا، ولم يدع الناس يهيمون فيه في كل واد بل بين لهم الأمر بياناً لا يدع زيادة لمستزيد.
وليس المهم في الحقيقة أن نعرف رأي الإسلام في المرأة والرجل وعلاقتهما وواجب كل منهما نحو الآخر فذلك أمر يكاد يكون معروفاً لكل الناس ولكن المهم أن نسأل أنفسنا هل نحن مستعدون للنزول على حكم الإسلام.
الواقع أن هذه البلاد وغيرها من البلاد الإسلامية تتغشاها موجة ثائرة قاسية من حب التقليد الأوربي والانغماس فيه إلى الأذقان، ولا يكفي بعض الناس أن ينغمسوا هذا الانغماس في التقليد بل هم يحاولون أن يخدعوا أنفسهم بأن يديروا أحكام الإسلام وفق هذه الأهواء الغربية والنظم الأوربية ويستغلوا سماحة هذا الدين ومرونة أحكامه استغلالاً سيئاً يخرجها عن صورتها الإسلامية إخراجاً كاملاً ويجعلها نظماً أخرى لا تتصل به بحال من الأحوال ويهملون كل الإهمال روح التشريع الإسلامي وكثيراً من النصوص التي لا تتفق مع أهوائهم؟
هذا خطر مضاعف في الحقيقة، فهم لم يكفهم أن يخالفوا حتى جاءوا يتلمسون المخارج القانونية لهذه المخالفة ويصبغوها بصبغة الحل والجواز حتى لا يتوبوا منها ولا يقلعوا عنها يوما من الأيام.
فالمهم الآن أن ننظر إلى الأحكام الإسلامية نظراً خاليا من الهوى وأن نعد أنفسنا ونهيئها لقبول أوامر الله تعالى ونواهيه وبخاصة في هذا الأمر الذي يعتبر أساسياً وحيوياً في نهضتنا الحاضرة.
وعلى هذا الأساس لا بأس بأن نذكر الناس بما عرفوا وبما يجب أن يعرفوا من أحكام الإسلام في هذه الناحية:
أولاً: الإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلهما شريكة الرجل في الحقوق والواجبات وهذه قضية مفروغ منها تقريباً، فالإسلام قد أعلى منزلة المرأة ورفع قيمتها واعتبرها أختاً للرجل وشريكة له في حياته هي منه وهو منها "بعضكم من بعض" وقد اعترف الإسلام للمرأة بحقوقها الشخصية كاملة وبحقوقها المدنية كاملة كذلك وبحقوقها السياسية كاملة أيضاً وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية له حق وعليه واجب يشكر إذا أدى واجباته ويجب أن تصل إليه حقوقه والقرآن والأحاديث فياضة بالنصوص التي تؤكد هذا المعنى وتوضحه.
ثانياً: التفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق إنما جاء تبعاً للفوارق الطبيعية التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة، وتبعاً لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما.
وقد يقال: إن الإسلام فرق بين الرجل والمرأة في كثير من الظروف والأحوال ولم يسو بينهما تسوية كاملة، وذلك صحيح ولكنه من جانب آخر يجب أن يلاحظ أنه إن انتقص من حق المرأة شيء في ناحية منه فيدعو خيراً منه في ناحية أخرى. أو يكون هذا الانتقاص لفائدتها وخيرها قبل أن يكون لشيء آخر. وهل يستطيع أحد كائناً من كان أن يدعي أن تكوين المرأة الجسماني والروحي كتكوين الرجل سواء بسواء، وهل يستطيع أحد كائناً من كان أن يدعي أن الدور الذي يجب أن تقوم به المرأة في الحياة هو الدور الذي يجب أن يقوم به الرجل ما دمنا نؤمن بأن هناك أمومة وأبوة.
أعتقد أن التكوينين مختلفين وأن المهمتين مختلفتين كذلك وأن هذا الاختلاف لابد أن يستتبع اختلافاً في نظم الحياة المتصلة بكل منهما وهذا هو سر ما جاء في الإسلام من فوارق بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.
ثالثاً: بين المرأة والرجل تجاذب فطري قوي هو الأساس الأول للعلاقة بينهما وأن الغاية منه قبل أن تكون المتعة وما إليها هي التعاون على حفظ النوع واحتمال متاعب الحياة.
وقد أشار الإسلام إلى هذا الميل النفساني وزكاه وصرفه عن المعنى الحيواني أجمل الصرف إلى معنى روحي يعظم غايته ويوضح المقصود منه ويسمو به عن صورة الاستمتاع البحت إلى صورة التعاون التام ولنسمع قول الله تبارك وتعالى:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)
هذه هي الأصول التي راعاها الإسلام وقررها في نظرته إلى المرأة، وعلى أساسها جاء تشريعه الحكيم كافلاً للتعاون التام بين الجنسين بحيث يستفيد كل منهما من الآخر ويعينه على شؤون الحياة.
والكلام عن المرأة في المجتمع في نظر الإسلام يتلخص في هذه النقط:
أولا: يرى الإسلام وجوب تهذيب خلق المرأة وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسانية منذ النشأة، ويحث الآباء وأولياء أمور الفتيات على هذا، ويعدهم عليه الثواب الجزيل من الله ويتوعدهم بالعقوبة إن قصروا. وفي الآيات الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).
وفى الحديث الصحيح (كلكم راع ومسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته) أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله:(ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة) رواه الترمذي واللفظ له وأبو داود إلا أنه قال: (فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة).
ومن حسن التأديب أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة والكتابة والحساب والدين وتاريخ السلف الصالح رجالاً ونساءً، وتدبير المنزل والشؤون الصحية ومبادئ التربية وسياسة الأطفال وكل ما تحتاج إليه الأمم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها، وفي حديث البخاري رضي الله عنه: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)، وكان كثير من نساء السلف على جانب عظيم من العلم والفضل والفقه في دين الله تبارك وتعالى.
أما المجالات في غير ذلك من العلوم التي لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة في حاجة إليه وخير لها أن تصرف وقتها في النافع المفيد، ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة، وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولا وأخيراً، وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس.
كان أبو العلاء المعري يوصي بالنساء فيقول:
ونحن لا نريد أن نقف عند هذا الحد، ولا نريد ما يريد أولئك المغالون المفرطون في تحميل المرأة ما لا حاجة لها به من أنواع الدراسات، ولكنا نقول: علموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها: تدبير المنزل ورعاية الطفل.
ثانياً: التفريق بين المرأة وبين الرجل: يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطراً محققاً، فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك. سيقول دعاة الاختلاط إن في ذلك حرماناً للجنسين من لذة الاجتماع وحلاوة الأنس التي يجدها كل منهما في سكونه للآخر، والتي توجد شعوراً يستتبع كثيراً من الآداب الاجتماعية من الرقة وحسن المعاشرة ولطف الحديث ودماثة الطباع ... الخ وسيقولون إن هذه المباعدة بين الجنسين ستجعل كلاً منهما مشوقاً أبداً إلى الآخر، ولكن الاتصال بينهما يقلل من التفكير في هذا الشأن ويجعله أمراً عادياً في النفوس (وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا) وما ملكته اليد زهدته النفس.
كذا يقولون ويفتتن بقولهم كثير من الشبان، ولا سيما وهي فكر توافق أهواء النفوس، وتساير شهواتها، ونحن نقول لهؤلاء: مع أننا لا نسلم بما ذكرتم في الأمر الأول، نقول لكم إن ما يعقب لذة الاجتماع وحلاوة الأنس من ضياع الأعراض وخبث الطوايا وفساد النفوس، وتهدم البيوت، وشقاء الأسر، وبلاء الجريمة، وما يستلزمه هذا الاختلاط من طراوة في الأخلاق ولين في الرجولة لا يقف عند حد الرقة، بل هو يتجاوز ذلك إلى حد الخنوثة والرخاوة، وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر. كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر منه من فوائد، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة أولى، ولا سيما إذا كانت المصلحة لا تعد شيئاً بجانب هذا الفساد. أما الأمر الثاني فغير صحيح، وإنما يزيد الاختلاط قوة الميل، وقديماً قيل: إن الطعام يقوي شهوة النهم، والرجل يعيش مع امرأته دهراً، ويجد الميل إليها يتجدد في نفسه فما باله لا تكون صلته بها مذهبة لميله إليها، والمرأة التي تخالط الرجال تتفنن في إبداء ضروب زينتها، ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها، وهذا أيضاً أثر اقتصادي من أسوأ الآثار التي يعقبها الاختلاط، وهو الإسراف في الزينة والتبرج المؤدي إلى الإفلاس والخراب والفقر، لهذا نحن نصرح بأن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، وأن للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن، ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة والخروج في القتال عند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحد، واشترط له شروطاً شديدة: من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم، ومن إحاطة الثياب به، فلا تصف، ولا تشف، ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما تكن الظروف.. وهكذا.
إن من أكبر الكبائر في الإسلام أن يخلو الرجل بامرأة ليست بذات محرم له، ولقد أخذ الإسلام السبيل على الجنسين في هذا الاختلاط أخذاً قوياً محكماً. فالستر في الملابس أدب من آدابه، وتحريم الخلوة بالأجنبي حكم من أحكامه. والعكوف في المنازل للمرأة حتى في الصلاة شعيرة من شعائره، والبعد عن الإغراء بالقول والإشارة وكل مظاهر الزينة وبخاصة عند الخروج حد من حدوده.
كل ذلك إنما يراد به أن يسلم الرجل من فتنة المرأة وهي أحب الفتن إلى نفسه، وأن تسلم المرأة من فتنة الرجل وهى أقرب الفتن إلى قلبها، والآيات الكريمة والأحاديث المسرة تنطق بذلك.
يقول الله تبارك وتعالى في سورة النور: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:30-31)
وفي سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59).. إلى آيات أخرى كثيرة.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله يعني عن ربه عز وجل: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه). رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي قال: (لتغضن أبصاركم ولتحفظن فروجكم، أو ليكسفن الله وجوهكم) رواة الطبراني.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (ما من صباح إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، ويل للنساء من الرجال). رواه ابن ماجة والحاكم.
وعن عقبة بن عامر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت). رواه البخاري ومسلم والترمذي، والمراد بدخول الأحماء على المرأة الخلوة بها. كما قال رسول الله: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان).
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له). رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقاة من رجال الصحيح كذا قال الحافظ المنذري.
وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله قال: (إياك والخلوة بالنساء والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، ولأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبيه منكب امرأة لا تحل له) رواه الطبراني.
وعن أبي موسى رضى الله عنه عن النبي قال: (كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا) وكذا يعنى: زانية. رواه أبي داود والترمذي وقال حسن صحيح، ورواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ولفظهم: قال النبي: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية) أي كل عين نظرت إليها نظرة إعجاب واستحسان.
وعن ابن عباس رض الله عنهما قال: (لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال). رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني. وعنه: أن امرأة مرت على رسول الله متقلدة قوساً، فقال: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: (لعن رسول الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك، فقال: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله، وهو في كتاب الله قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي.
وعن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة) وفى رواية: (أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي، فذكرت ذلك له وقالت: إن زوجها أمرني أن أصل شعرها، فقال لا، إنه قد لعن الموصولات) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
وفى رواية للبخاري ومسلم: (لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا). رواه مسلم وغيره.
وعن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه). رواه أبو داود وقال هذا مرسل، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة.
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنها أنها جاءت إلى النبي فقالت يا رسول الله: (إني أحب الصلاة معك) قال: (قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله عز وجل. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.
وليس بعد هذا البيان بيان، ومنه يعلم أن ما نحن عليه ليس من الإسلام في شيء، فهذا الاختلاط الفاشي بيننا في المدارس والمعاهد والمجامع والمحافل العامة، وهذا الخروج إلى الملاهي والمطاعم والحدائق، وهذا التبذل والتبرج الذي وصل إلى حد التهتك والخلاعة، كل هذه بضاعة أجنبية لا تمت إلى الإسلام بأدنى صلة، ولقد كان لها في حياتنا الاجتماعية أسوأ الآثار.
يقول كثير من الناس: إن الإسلام لم يحرم على المرأة مزاولة الأعمال العامة وليس هناك من النصوص ما يفيد هذا، فأتوني بنص يحرم ذلك، ومثل هؤلاء مثل من يقول: إن ضرب الوالدين جائز، لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لهما: "أف" ولا نص على الضرب!!
إن الإسلام حرم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها، ويحبب إليها الصلاة في بيتها، ويعتبر النظرة سهما من سهام إبليس، وينكر عليها أن تحمل قوساً متشبهة في ذلك بالرجل، أفيقال بعد هذا إن الإسلام لا ينص على حرمة المرأة للأعمال العامة؟
إن الإسلام يرى للمرأة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تهيأ لمستقبلها الأسري، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته. ومتى فرغت المرأة من شؤون بيتها لتقوم على سواه؟
وإذا كان من الضرورات الاجتماعية ما يلجئ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمة الطبيعية لها، فإن واجبها حينئذٍ أن تراعى هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة ومن واجبها أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظاماً عاماً، من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه. والكلام في هذه الناحية أكثر من أن يحاط به، ولا سيما في هذا العصر "الميكانيكي" الذي أصبحت فيه مشكلة البطالة وتعطل الرجال من أعقد مشاكل المجتمعات البشرية في كل شعب وفى كل دولة.
وللإسلام بعد ذلك آداب كريمة في حق الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، والوالدين على أبنائهما، والأبناء على والديهم وما يجب أن يسود الأسرة من حب وتعاضد على الخير، وما يجب أن تقدمه للأمة من خدمات جلى مما لو أخذ الناس بها لسعدوا في الحياتين ولفازوا بالعبادتين.
"وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين"
وسوم: العدد 842