دستور الامتيازات وتدمير الإحصاءات
كان السلطان العثماني سليمان القانوني صاحب قانون الامتيازات الأول في تاريخ هذه الأمة . ففي منتصف القرن السادس عشر تقريبا ، منح السلطان العثماني التبعية الفرنسية من قناصل وتجار بعض الامتيازات ذات الطبيعة الاقتصادية ، تشجيعا كما نقول في هذا العصر على الاستثمار . ومن ذلك اليوم بدأت الحكاية ..
وبدأ قناصل الدول الأجنبية يستمتعون ويتمتعون هم ورعاياهم ومن يلوذ بهم بنوع من المعاملة التفضيلية الفوقية التي ترفعهم على رقاب بقية الناس ، وهذا هو الذي نعيش في وزره حتى اليوم . وحول هذا تدور المعركة في سورية ولبنان والعراق ومصر . أصحاب امتيازات يدافعون عن امتيازاتهم ، بكل اللغات ، وتحت كل العناوين ، وتدعمهم في معركتهم قناصل وسفارات ووزارات ودول ومجلس أمن وأمم متحدة .
لماذا يرفضون علم الإحصاء ومخرجاته على أهميتها ؟!
في كل دول العالم يعتبر علم الإحصاء الأساس والمدخل الأول لعمليات التخطيط الدقيق للتنمية المستدامة .
فإن لم يكن لدى "وزارة التربية " إحصاء بعدد مواليد هذا العام ، فهي لا تعلم كم عدد المقاعد المدرسية التي يجب أن توفرها لطلاب الصف الأول بعد سبع سنين !!
في كل دول العالم الحر يبقى الإحصاء في كل ميادين الحياة متاحا أمام الرأي العام ، أمام المؤسسات والهيئات والجمعيات والأحزاب والأفراد . وفي متناول يد الجميع . إلا في عالم الاستبداد حيث تكون مخرجات عملية الإحصاء ، إن وجدت وإن لم تشوه ، سرا خطيرا من أسرار الدولة ، البحث أو الحديث عنه يعرضك للتهمة وللتشويه .
الإحصاء الديموغرافي العام لعدد السكان ، ولطبيعة الطيف الوطني .. كيف نعرف ؟ ما هي النسب الدقيقة لمكونات مجتمعنا الجميل ؟ هل حقا كما يزعم الطائفيون المدعون أن دائرة محدودة تستأثر بالفرصة ، وأن أخرى أصغر منها تستأثر بالثروة .. أعطونا أرقاما لنرد على هؤلاء المدعين ..
ثم ما نزال نفتقد في وطننا الرقم الصادق الشفاف الذي لا يداري ولا يحابي ..
حدثونا عن الإحصاء الصحي...
لنعرف ما نحتاج من مطاعيم لأطفالنا ، واحتياجات الصيدليات لكميات الدواء ، ولأعداد المصابين بشتى الأمراض ، وحاجتهم لعيادات الأطباء ، وللمستوصفات وللمستشفيات ، ولنبرمج على أساس ذلك عدد المقبولين في كليات الطب وبحسب الحاجة لكل الاختصاصات .
والإحصاء الاقتصادي ..
لفرص التنمية والعمل ولنسبة البطالة . وللثروات الوطنية بآفاقها ، ثم لمستوى الغنى و الفقر ، وطريقة توزيع الثورة .
الإحصاء الزراعي الأراضي المزروعة والأراضي البور ، والمنتجات الزراعية ، وعدد شجر التين والزيتون والمتوقع من سلة القمح والشعير والقطن وعدد العاملين في ميدان الزراعة ، وحجم الهجرة من الريف إلى المدينة ..
الإحصاء الاجتماعي عن أمور كثيرة أهمها ما يتعلق بتكوين الأسر ، ونسبة الزيجات ، ونسبة الطلاق ، والنمو السكاني ، ومستوى سن الزواج ، ومن ثم مستوى الجريمة في المجتمع ، وهل تزيد أو تنقص كما وكيفا ، ونسبة العاملين في ميادين الخدمة العامة في كل مجتمع ، والمهتمين بالأمر السياسي وغيره وغيره ..
وما ذكرناه حتى الآن هو قوس درجة من دائرة من 360 درجة . هذه الإحصاءات كلها متاحة في كل دول العالم تقدمها الدول لشعوبها ، أو تسمح للمؤسسات المعنية المختلفة أن تصل إليها بطرائقها كل ذلك للتأسيس لما يوصف بالحكم الدستوري الرشيد ..
إلا في عالمنا الغارق في ظلمة الاستبداد حيث تظل الإحصاءات الحقيقية من أسرار الدولة الأمنية والعسكرية الأخطر هذا إذا سمح المستبد بمباشرة عملية الإحصاء أو الوصول إلى الحقائق فيه ..
وكل ذلك لتبقى الحقائق الرقمية لعبة بأيدي المستعمرين الذين عادوا بقوة في هذا العصر إلى عراقنا وإلى شامنا وإلى يمننا في أكثر من جيش وأكثر من لبوس.
نتذكر يوم جاءنا الأمريكي بريمر إلى العراق بمصطلح " العرب السنة " حيث كان هذا المكون العراقي الأساسي هو المستهدف . ثم تعميم هذا المصطلح على كل دولنا على لسان كل البريمرات واللافروفات وأشياعهم . وحسب بريمر الروسي " لافروف" أن دولته العظمى لن تسمح لأبناء سورية أن يحكموا سورية إلا أن يكونوا من أصحاب " الامتيازات "..
حين نتوقف عند سر تغييب الإحصاءات الديموغرافية في أقطارنا المختلفة نعلم أن المقصود هو فتح باب الدعوى والادعاء لأصحاب المنصات الاسفنجية التي لا تقف في دعواها عند حد ؟!
اصدقوا مع أنفسكم . وقدموا لنا إحصاء صادقا شفافا نعرف من خلاله من نحن ؟! وما أجمل مقولة عمر : ولو أعطي كل قوم بدعواهم لادعى أناس دماء قوم وأموالهم !!
مرة كنت أتابع حوارا على الهواء بين مكونين عراقيين مذهبي وعرقي ..
قال الأول : نحن نشكل 70% من سكان العراق
قال الثاني : نحن نشكل 40% من سكان العراق ..
قلت يا ويحي وأين ذهب الصابئة والكلدان والأشوريون ؟!!
وحسبت أن القصة في سورية هي هي أو هي إياها
وقد كتبها رجلهم منذ نحو عشرين : أكبر الأقليات .. أو أن الحقيقة تهذي كما يهذون .
وسوم: العدد 845