قُدومُ سُليماني لا يُخيفُنا، و كلُّهم يعني كلُّهم
بدعوى تصدير الثورة، اندفعت إيران من غير هوادة، لبسط يدها على دول الجوار / ابتداءً؛ فكانت الحرب العراقية على مدى ثماني سنوات ( 9/1980ـ 8/1988 )، ليخرج بعدها روح الله الخميني في: 8/ 8/ 1988، معلنًا قبوله قرار مجلس الأمن رقم (598).
غير أنّها لم تلتزم جانب حسن الجوار، و مراعاة مبدأ الأخوة الإسلامية، التي طالما تغنّت به، فقامت بمدّ أذرعها بمختلف عناصر القوة، في الدول ذات التداخل الطائفي، و استطاعت في وقت قياسيّ إكمال الهلال الشيعيّ، من إيران حتى لبنان مرورًا بالعراق و سورية، و جعلت من تلك الأذرع مخالب ذات شوكة.
و هو الأمر الذي حذّرَ منه العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في حديث له إلى الواشنطن بوست في أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة في أوائل شهر: 12/ 2004، مثلما حذَّر منه الباحثون و المفكّرون، كالدكتور عبد الله النفيسي، الذي شبّه ما يحدث في دول المنطقة نتيجة التدخل الإيرانيّ، بحريق شبّ في بيت، و إنّه من العبث أن ينشغل الناس بإطفاء ألسنة اللهب، التي هي أذرع إيران، من غير أن يقوموا بإغلاق و قطع مصادر النيران، من البترول و الغاز و الكهرباء، التي هي إيران نفسها.
و قد تباهتْ إيران مرارًا بما آلت إليه الأمور، من الهيمنة غير الخافية، و المتبنّاة من رجالاتها و صنّاع القرار فيها، و جعلت من فيلق القدس بقيادة قاسم سُليماني، اليد الطولى في الوصول إلى تلك الأذرع.
و لم تكتف إيران بأن جعلت من تلك الدول الثلاث ( العراق، سورية، لبنان )، امتدادًا جغرافيًا لها، فعمدت إلى إحداث خرق آخر، ذي أهمية كبيرة، تمثَّل في دعم حركة أنصار الله ( جماعة الحوثي )، تمهيدًا لاستيلائهم على مقاليد الأمور في اليمن، في مسعى منها لإطباق فكي الكماشة علي المملكة العربية السعودية.
و لما قامت ثورات الربيع العربي أواخر2010، و مطلع 2011، اتسمت المواقف الإيرانية بازدواجية مغلفة بدثار طائفيّ، بشكل غير مخفيّ، من خلال تصريحات ساستها، و متحدثيها.
و كان ما كان من خلخلة للبنى الاجتماعية، و تقويض لأسس الدول التي تدخَّلت فيها، وصل إلى حدّ إسقاط مفهوم السيادة لها، كما حصل في سورية، والعراق، ناهيك عن البحرين، و الكويت.
و من أجل أن تصل إلى مراميها في بسط نفوذها على تلك الدول، لجأت إلى كل أشكال التجييش الطائفي؛ فلم تترك نوعًا من أنواع الخطاب التعبويّ إلّا و استحضرتْه، و جعلت من عباءة أهل البيت و مظلوميتهم، غطاءً لتحرّكها العسكري/ الميليشاويّ، فاستحضرت كل ما حوته قواميسها من التحريض المذهبي من المفردات، فكانت كتائب: الزينبيون، الفاطميون، عصائب أهل الحق، أبو الفضل العباس، الإمام علي، النجباء، سيد الشهداء، و الأبدال، و فوق ذلك كلّه أفرع " حزب الله " في عدد من دول المنطقة.
كثيرًا ما تمّ تحذير إيران بأنها قد لبسَتْ ثوبًا مهلهلًا، غير لائق أو مناسب لجسدها، فلم تُصغِ أو تُعِرْ اهتمامًا لذلك، فلم يعنِها حجمُ الشرخ المذهبي الذي أحدثته في جسد العالم الإسلامي، و لم تلتفتْ إلى إزهاقها آلاف الأرواح البريئة، و لم يشغل بالها تدمير البنى التحتية في دول شقيقة لها ـ على حدّ زعمها ـ، و لم يُؤرِّق جفنها آهات الثكالى و أنّات المظلومين على يد الأنظمة التي ساندتها دونما وجه حق، بتلك الميليشيات العابرة الحدود، من جنسيات شتّى.
غير أنّ الأمور لم تستقم لها على ما تريد، فكانت الانتفاضات تتوالى تترى بوجه سياساتها، سواءٌ في الداخل الإيراني أو خارجه.
و لعلّ أشدّها وضوحًا و تأثيرًا ما تشهده العراق منذ: 1/ 10، و لبنان منذ: 17/ 10 ـ الفائت؛ كون الأمر قد جاء مفاجئًا لها، رفضًا لعموم سياساتها في كلا البلدين، التي مارستها عن طريق الأحزاب الشيعية في الأول، و حزب الله و حركة أمل في الثاني، فضلًا على مَنْ استطاعتْ ضمّهم تحت جناحها من المكونات المذهبية، و الدينية، و العرقية فيهما.
هذا إلى جانب التظاهرات، التي شملت نحو 150 مدينة وبلدة إيرانية في أكثر من 20 من محافظات البلاد، في: 15/ 11 ـ الفائت.
يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ الأمور سواءٌ في لبنان و العراق، و حتى إيران نفسها، ستؤسس لمرحلة يصعب على صانع القرار في إيران تخطّيها، أو القفز فوقها، و هم واهمون إذا لم يقرؤوا المشهد فيها بشكل مختلف بعد الآن.
فاللبنانيون اليوم، غيرهم في الخامس من أيار/ 2008، و العراقيون اليوم، غيرهم في العشرين من تموز/ 2018، و إنّ إيران ستسمع كثيرًا بعد اليوم على ألسنة اللبنانيين ( كلّهم يعني كلّهم، و " نصر الله " واحدٌ منهم )، مثلما ستسمع تعليقًا على مقدم قاسم سُليمانيّ إلى النجف، برفقة 520 رجل أمن إيراني، تزامنًا مع تقديم رجلها عادل عبد المهدي، استقالة حكومته إلى البرلمان ليلة السبت: 30/ 11ـ الفائت ( قدوم سُليماني إلى العراق لا يُخيفُنا ).
وسوم: العدد 853