السياسة ليست خداعاً ، لكنّ الخداع وسيلة ، من وسائلها !
قد يتضمن الخداع غدراً، من مؤتمَن يخون أمانته..أو من ذي عَهد، يُخل بعهده ! كما قد يكون الخداع مكراً، أو حيلة، لكسب موقف ما، أو للحصول على مغنم ما، أو للتخلّص من مأزق ما!
والخداع قديم في الناس ، وهو نوع من المكر، الذي منه الحسن ، ومنه السيّء ، وكلّ ينظر إليه، من زاوية مصالحه : المشروعة وغير المشروعة .. ومن زاوية مبادئه : الحميدة والذميمة ؛ بحسب ظروف الناس وأحوالهم ! وهو كثير بين الناس ، بسائر مللهم ونحلهم ، قديماً وحديثاً !
نماذج من الخداع القديم ..
بروتوس :
كان بروتوس من المقرّبين ، للإمبراطورالروماني يوليوس قيصر، وقد تآمر بعض الأشخاص، على قتل الإمبراطور، واستطاعوا إقناع بروتوس ، بالاشتراك معهم ! وحين باشروا بقتل القيصر، طعناً بالأسلحة الحادّة ، التفت ، فرأى بروتوس بينهم ، وهويطعنه معهم ، فقال قولته، التي ذهبت مثلاً ، في الغدر والغادرين : حتّى أنتَ يابروتوس !؟
أبو عَزّة الجُمَحي الشاعر : كان يهجو النبيّ وأصحابه ، ويؤذي الله ورسوله ! وقد أسِر، في غزوة بدر، فيمن أسِر من المشركين ، فضرع إلى النبيّ ، أن يُعتقه دون فداء ، قائلاً : يامحمد ، إني فقير، وذوحاجة ، قد عرفتها ، فامنُن عليّ ، لفقري ، وبناتي ! فرقّ الرسول، وأطلقه ، بعد أن أخذ عليه الميثاق،ألاّ يُظاهر عليه!
فلمّا عاد إلى مكّة ، أبى له لؤمه وسوء طويّته ، إلاّ أن ينال من المسلمين ، بشعره ، وأن يطيع المشركين ، في الخروج إلى أحُد ، واستنفار الأعداء لمحاربة ، النييّ وأصحابه !
ووقع أسيراً ، في حمراء الأسد ، فعاد سيرته الأولى : يضرع ويشكو، ويذكر فقره وبناته ، ويرجو النبيّ أن يطلقه ، ويعاهده على ألاّ يعود ، إلى مثلها ! فأجابه النبيّ ، إجابته الخالدة : لا والله ، لا تمسح عارضَيك بمكّة ، وتقول : خَدعتُ محمّدا ، مرّتين .. لا يُلدَغ المؤمنُ من جُحر واحد مرّتين ! اضربْ عنقه ، يازيد .
نماذج في الحديث .. ضابط قاد انقلاباً ، على ملك :
كان في البلاد أحزاب عدّة ، مختلفة المشارب والأفكار، وقد اتّصل هذا الضابط ، بقادة الأحزاب، وأقنع كلّ حزب ، أنه مُوالٍ له ، وأن انقلابه على الملك ، سيكون لمصلحة الحزب الذي يؤازره ! وكانت الحركة الإسلامية ، تشكّل أقوى الأحزاب ، وأكثرها نفوذاً في البلاد ، وأشدّها تأثيراً في الشعب ! وقد تظاهر، أمام قادة الحركة ، بأنه إسلامي تقيّ ، حريص على نصرة دين الله ، ورفْع راية الإسلام ، وبايع رئيس الحركة ، على السمع والطاعة ! وقد وعدته الحركة بتأييده ، برغم الشكوك ، التي ساورت بعض قادتها ، حوله ! وحين نفّذ الضابط انقلابه ، وخلع ملك البلاد، وجعل الدولة جمهورية ، انقلب على الحركات ، التي أيّدته وناصرته ، فنكّل بها ؛ ولاسيما الحركة الإسلامية ، التي قَتل بعض قادتها ، وزجّ بأكثرهم في السجون .. وهرب الكثيرون منهم ، إلى خارج البلاد ! ولم يَخرج السجناء من سجونه ، إلاّ بعد وفاته !
ضابط آخر، يُعيد الكَرّة ، مع الحركة نفسها :
وقد أعاد الكَرّة ، على الحركة ، نفسها ، بعد ستّين سنة ، ضابط آخر، حين فازت الحركة ، بأكثرية الأصوات ، في انتخابات مجلس النوّاب ، وانتُخب أحد قادتها ، رئيساً شرعياً للبلاد، فتظاهر هذا الضابط ، بالولاء التامّ ، للرئيس المنتخَب ، فعيّنه في منصب رفيع .. ثمّ غدَر الضابط ، بالحركة ورئيسها، فقام بانقلاب عسكري ، زجّ، على أثره، بقادة الحركة في السجون، وشرّد الكثيرين منهم ، واعتقَل الرئيس المنتخب ، ودبّر له حادثة قتل ، بنوع من السموم ، اليطيئة المفعول ، غير المكشوفة ، وقتله السمّ ، وهو في المحكمة ، وادّعى إعلاميّو الضابط الغادر وأطبّاؤه ، أنه مات ، بعارض مرَضيّ ، ألمّ به !
وسوم: العدد 859