سِرُّ الْمُثَاقَفَةِ
في ثقافة الإنسان فطنةٌ لحقيقة وجوده، وخبرةٌ بالسعي إلى تحصيلها، ومهارةٌ باستعمال وسائل تحصيلها، وظَفَرٌ بما لا يُترك منها، كلُّ أولئك في ثقافة الإنسان الذي لا ينالها مُثقَّفًا حتى يصبر عليها مُتَثَقِّفًا:
وَمَا نِلْتُهَا حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً وكَدتُّ لِأَسْبَابِ الْمَنِيَّةِ أَعْرِفُ
ولا يعرف المُثقَّف منزلة نفسه من الثقافة حتى يُثَاقِفَ غيرَه: يبادره إلى دُفعةٍ ثقافية، يستقبلها فيجيبها بدُفعةٍ ثقافية مثلِها أو أقلَّ منها أو أكثرّ، إما أن تندفع بها فلا تصمد بينهما غير دفعة واحدة، وإما أن تنضاف إليها فتزداد حصيلتهما الثقافية.
وإذا جاز أن تَتَمَثَّل الثقافةُ في مثال الإنسان الواحد، لم يجز أن تَتَمَثَّل فيه وحده المثاقفةُ؛ فهي مشروطة بالمشاركة، وكلُّ من تكلم بها عن عمل الإنسان الواحد مُبْطِلٌ إِبْطَالًا، وسواءٌ علينا أَعَنْ ذِلّةٍ لغيره كان إبطالُه هذا أم عن تكبرٍ بنفسه، لا نقبل كلامه ولا ننصت ولا نستمع!
ولقد عرف ذلك من نفسه ومن غيره صاحبُ النص القصير؛ فاجتزأ به جُزْءًا من أجزاء صورة ثقافية أدبية كبيرة، ينتظر أن يضيفها غيرُه من الأدباء، أو يتخيلها غيرُهم من المتأدبين، ليتكوَّن بذلك كله كيانٌ ثقافي أدبي كبير، أَكملُ بَيانًا من الجزء الواحد، وأَبينُ كَمالًا من النص القصير.
وسوم: العدد 869