صفات الشعوب
خلق الله آدم في البداية ثم ورطه مع حواء بأن خلقها من ضلعه، لتبقى جزءا من كيانه وحنينه لضلعه الناقص، تيمنا بأن يستعيده في يوم ما، لكن هذا لم يحصل حتى اليوم.
لذا غرق آدم بإكثار النسل ليملأ الأرض رجالا ونساء احتجاجا على ضلعه الناقص. لكن القدير قرر ان يجعل نسل آدم وحواء شعوبا وان يخص لكل شعب صفة واحدة او صفتان مميزتان، بهدف ان لا يكون تماثلا كاملا بين الخلق، او حتى بين فردين من نفس المجموعة البشرية. القصد ان يكون تنوعا في التفكير والرغبات والتصرفات، فينشأ التنافس وينشأ السباق لتحقيق إنجازات ترفع من شأن السابقين، ويكون التنافس أخويا، ومن ليس لديه يحصل ممن لديه، ومن ينقصه أمر يبادله مع الآخرين بما متوفر عنده. لكن ما حدث بعد ان تكاثرت الشعوب خرج عن القاعدة الربانية لسبب لم يفسره علماء الدين حتى اليوم.
لاحظ علماء الدين تنوعات عديدة بين البشر، فهل حقا كلهم من جد وجدة فقط هما آدم وحواء؟ كما تساءل أحدهم، فصمت بعد ان تسلطت عليه نظرات الغضب من تساؤل يليق بالكفار فقط.
قال كبير العلماء ان لله في خلقه شؤون، وان التكاثر من آدم وحواء لم يكن قرارهم الشخصي، انما قرار السماء وصاحب العرش القدير. وليس مجرد دوافع عاطفية خلقها الله في جذورها حنين آدم لضلعه الناقص، فعشق حاملته وحماها حتى لا يفقد ضلعه. وأضاف كبير العلماء ان الله قرر ان يكون نسل آدم مختلفا عن بعضه لذا قسمهم امما وشعوبا وديانات وطوائف، ومنهم الأبيض والأسود والأصفر والأحمر والأشقر، وحكمته هنا عظيمة، لكن الأهم ان عقولهم وميولهم واهتماماتهم تختلف وتتوزع حول الكثير من المواضيع التي بدونها تصبح الحياة مملة. ان التنويع كما واصل كبير العلماء، اعطى للحياة طعمها وتحدياتها من اجل التقدم وجعل الأرض مكانا يستحق ان يعيش فيه الانسان ابن آدم. لكن أبناء آدم وحواء طماعين، فاختلت الموازين لذا اوجد الله الرسل ورجال الدين ليصوبوا البشر، لكن هيهات اختلط الحابل بالنابل، فعاقب البشرية بالطوفان لعلهم يعقلون، وما ان رست سفينة نوح وانطلق منها البشر والحيوانات الى الأرض المروية بالمياه والمثمرة بكل ما يطيب للبشر، حتى عاد البشر الى عقوقهم متجاهلين أحاديث العلماء عن عذاب القبر ونار جهنم لمن لا يخاف الله.
قال كبير العلماء أيضا ان معرفة الشعوب وعقائدها وأخلاقها تشير الى الحكمة الربانية التي خصها الله لكل شعب. لذا حين قرر توزيع الصفات على الشعوب نجد انه ميز كل شعب بصفات خاصة به. مثلا ميز الله الإنكليز بأنهم شعب يحب النظام والحفاظ على القانون، وهما صفتان جعلت دولتهم من اهم دول العالم المسيطرة على البحار والمستعمرات لدرجة ان الشمس لم تكن تغيب عن الأراضي التي تحت سيطرتها. وميز الروس كشعب عنيد محب للثقافة، قهر أعتى الغزاة والطغاة بعناده وصموده وتمسكه بوطنه وثقافته. وميز اليابانيين كشعب يحب العمل والصمود في الشدة، فصمدوا بعد أبشع هزيمة، واعادوا تعمير بلادهم وها هم اليوم يعتبرون من أكثر دول العالم تقدما. وميز الايطاليين كأصحاب عقل ابداعي وميالين للفنون، فنجد انهم شعب طور الغناء والرقص والرسم وجعل إيطاليا قبلة العالم في الفنون. وميز العرب كشعب يحبون الغزوات ويفخرون بسيوفهم وخيولهم فأطلقوا عليها عشرات الأسماء، فأصبح لكل قبيلة أسماء لسيوفها وخيولها، بل خاضوا حربا شعواء اشتهرت باسم فرسين هما داحس والغبراء، فتفرقوا وتخاصموا وتقاتلوا، وإذا ما زارهم أي زعيم من شعب آخر، ينظمون له رقصة السيوف. وميز الفرنسيين كشعب يحب النساء واعطاهم من الجمال ما يغري كل رجال الأرض الوصول الى بلادهم والتمتع بما منحهم إياه رب العالمين. وميز الأمريكيين كشعب يكره غير بيض البشرة، فاشغلوا مسدساتهم قتلا بحمر البشرة وسود البشرة، وصار القتل تقليدا اجتماعيا من اجل القتل وهي صفة تلازمهم حتى هذه الأيام. وميز الصينيين كشعب يحب الأطفال، فانجبوا الكثير من الأطفال حتى فاق عدد الصينيين كل شعوب الأرض، وحتى يجدوا ما يؤكل لهذا العدد الكبير جدا من السكان، جعلهم يحبون لحم الأفاعي. وهكذا دواليك ميز كل شعب بخصائص مختلفة تناسبهم.
واصل كبير العلماء قوله: لكني لاحظت انه يوم ميز الله الشعب اليهودي خصص لهم ثلاث مميزات، أي أكثر بميزة واحدة عن سائر الشعوب التي منحت ميزة واحدة او اثنتين. اعطاهم ميزات الحكمة والاستقامة والسياسة.
عندما تساءل كبير الملائكة راكعا امام رب العالمين عن سبب تخصيص ثلاث ميزات لليهود، واحدة أكثر من سائر الشعوب، بقوله: أيها المعظم أعطيت لكل شعب من شعوبك ميزة او اثنتان، لماذا خصصت اليهود بثلاث مميزات؟ ما الحكمة في ذلك لنفهم فنحن خدامك ومنفذي ارادتك؟ اليس هذا دافعا ليتفاخروا على بقية الشعوب بأنهم المميزون عند الله وليدعوا انهم شعبه المختار، وما يتبع ذلك من قلاقل وصراعات، وبالتالي سنضطر للتدخل من اجل علاجها واقناع سائر الشعوب ان الله يحب جميع أبنائه بنفس القدر؟
ابتسم الرب في عليائه وأجاب: انا متنبه للموضوع الذي يقلقك، لذا يا سيد الملائكة قررت ان الشعب اليهودي لا يستطيع استعمال المميزات الثلاث ينفس الوقت، مثلا لا يستطيع اليهودي ان يكون حكيما وسياسيا بنفس الوقت، او مستقيما وسياسيا بنفس الوقت، يستطيع ان فقط يكون بلا استقامة وسياسيا، أو بلا حكمة وسياسيا، او حكيما ومستقيما فقط .. وأين تجد ذلك حتى بين كل شعوب الأرض؟
وسوم: العدد 869